المغرب والإمارات: الشراكة فعلا مبتكرة…وراكدة!

في الخامس من دجنبر 2023 دخل إلى قاموس المصطلحات المستخدمة في نطاق العلاقات الدولية مصطلح قوي الدلالة غير معهود تداوله بين المهتمين والمتابعين هو “الشراكة المبتكرة والمتجددة والراسخة”، وذلك بإرادة مشتركة لرؤية متبصرة بين صاحب الجلالة الملك محمد السادس وأخيه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان عبر عنها بوضوح تام الإعلان الصادر في ختام لقائهما المنعقد في أبو ظبي الذي جاء ليحدث ليس فقط نقلة متميزة في علاقات بلديهما استنادا على زخم رصيدها التاريخي المتسم دوما بالثقة المتبادلة والتكامل والانسجام التامين، وإنما ليترجم على أرض الواقع متانة العلاقات الثنائية المتعددة المجالات إلى تعاضد نوعي، واستثمار مستدام في سبيل تحقيق أهداف التنمية والرفاه المشتركة.

ولتجسيد هذه الإرادة السامية ذات الغايات النبيلة، ترأس القائدان مراسم توقيع 12 مذكرة تفاهم بشأن الشروع في إنجاز عدد من المشاريع الاستراتيجية المستقبلية والمصيرية بعضها محلي الطابع، فيما يرتدي البعض الآخر أبعادا إقليمية قارية تعكس اهتمامهما الكبير بالفضاء الإفريقي الرحب، وبصفة خاصة الاستثمار المشترك في مشروع خط أنبوب الغاز نيجيريا /المغرب، الذي ستستفيد من إنجازه أكثر من إحدى عشر دولةإفريقية أخرى، ناهيك عن سعيهما إلى الإسهام في تنمية منطقة الساحل أملا في منع تحولها إلى بؤرة للإرهاب والتطرف، خاصة وأن تقارير إعلامية تتحدث عن أن المنطقة تأوي أزيد من 43% من العناصر الإرهابية النشطة بين الشرق الأوسط والقارة السمراء.

ورغبة في إبراز أهمية ما تم التوافق حوله حرص القائدان الكبيران على تضمين الإعلان المشترك سقفا زمنيا تم تحديدهفي ثلاثة أشهر من تاريخ نشره من أجل استكمال دراسة المشاريع الأولية من كافة جوانبها، وإنهاء إجراءات إبرامها بغية الانتقال بعد ذلك إلى العمل على توفير التمويل اللازم لها، خاصة بالنسبة للمشاريع التي قد تتطلب وجود شركاء آخرين محتملين، وذلك قصد الشروع في تنفيذها في أقرب الآجال، حتى لا يتاح الوقت الكافي لأي جهة أجنبية لا تستسيغ إنجاز تلك المشاريع للتشويش عليها، واختلاق عراقيل لإتمامها.

ولكن، وباستغراب شديد لاحظ المتابعون لتطور العلاقات المغربية الإماراتية أن السقف الزمني المحدد لتطبيق كل ما سبق قد انتهى يوم الخامس من شهر مارس الجاري دون الشروع ولو في خطوة عملية واحدة لتجسيد تطلعات قائدي البلدين اللذين أرادا من هذه الشراكة أن تكون عامل دعم لبرنامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية بالمغرب لسنوات 2024/2029، وأن تواكب تطور البنية التحتية التشريعية والتنظيمية، التي تؤمن فرصا استثمارية واعدة مستفيدة من مناخ أعمال سلس، جاذب ومغر.

وفي غياب أي تبرير رسمي لهذا التقاعس البيروقراطي في تنفيذ التوجيهات السامية لقائدي البلدين، وغياب الإعلان عن أي موعد محدد للبدء في التنفيذ بدأت الإشاعة تتبوأ المشهد، وذلك من خلال تداولها بصيغ متعددة ومتنوعة تبدأ من أن الأجهزة الإدارية في البلدين لم تكن جاهزة، وليست جاهزة لحد الآن لبلورة توجيهات القائدين. كما أنها فوجئت بزخم ما تم الاتفاق حوله، وأن المساطر الإدارية والدراسات التقنية تتطلب وقتا أكثر مما حدده الإعلان المشترك لتصل إلى الادعاء بوجود شبهة عدم ارتياح لما يحصل عند أجهزة بيروقراطية نافذة من الجانبين.

وفي كل الحالات، وأيا كانت الدوافع الحقيقية، وربما الموضوعية، التي تقف وراء هذا التأخير في بدء العمل، فإن مجرد خفوت الحماس الذي أوقدته زيارة العمل والأخوة التي قام بهاصاحب الجلالة الملك محمد السادس تلبية لدعوة كريمة من أخيه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان يعتبر مؤشرا واضحا على أن بعض الأجهزة البيروقراطية بحكم ما تتمتع به من استمرارية ومن تحكم في تدبير الشؤون اليومية للقطاعات التي تتولاها تستطيع كبح مخرجات الإرادة السياسية، ووضع عقبات متعددة في طريق إنجازها إذا لم يتم تحجيم تدخلها، ومنع تغولها، وإعادتها إلى صميم دورها كآلية منفذة، وليست أبدا مقررة.

والخشية الأكبر في هذا الإطار هي ذلك الانطباع السلبي الذي قد يؤثر على نوايا دول عربية أخرى أبدت اهتماما كبيرا بهذا المستوى الرفيع من التفكير والإبداع في البحث عن وسائل مبتكرة ومتجددة غير مألوفة للرقي بالروابط الثنائية المغربية الإماراتية، وترصد تبعا لذلك وبدقة كافة التطورات في هذا المجال، وما قد تعرفه هذه الروابط من مستجدات آنية أو آجلة بغية السير على نهجها، والدخول مع الرباط في شراكات مماثلة تساعدها في تأمين حضور وازن لها في ربوع القارة الإفريقية.

وفيما يبدو، فإن آليات التنفيذ البيروقراطية لم تستوعب أن الحكمة من وراء تشديد صاحب الجلالة الملك محمد السادس وأخيه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد على العوامل الاقتصادية والاستثمارية المنطلقة من قاعدة الربح المشترك win / win لتوطيد أواصر العلاقات الثنائية بين بلديهما لا تكمن فقط في وجود تطابق شبه كامل في مواقفهما حول القضايا السياسيةالإقليمية والدولية ومستجدات الأحداث في العالم العربي ذات الاهتمام المشترك، وإنما أيضا في قناعتهما بأن تشابك العلاقات البينية وترابطها يفرض التحلي بالمزيد من العقلانية وضبط المشاعر، والتسامي عن الحسابات الضيقة من أجل حماية المصالح المشتركة ذات المنفعة المتبادلة من أي ضرر قد يلحقها، ولو من خلال خفض وتيرة العمل على إنجازها.

إن قيمة أي نموذج يراد له أن يكون موضوع اقتداء تكمن في مدى قدرته وقوته على الإقناع، والإقناع يكون بالمنجزات، لا بمعسول الكلمات.

عبد القادر زاوي

دبلوماسي متقاعد، سفير المغرب السابق في عدد من الدول العربية، مؤلف وكاتب عمود على مجلة المجلة