هذه هي الاحتمالات الجيو-استيراتيجية ذات التأثير على المغرب..وهكذا يجب التعامل معها

المغرب ليس بمعزل عن العالم. بل هو نافذة أوروبا على افريقيا. بلد أجبر بحكم قضيته الترابية على ان يلعب دورا ديبلوماسيا من مستوى الصراع مع دول وازنة. تربطه بالشرق علاقات تتجاوز الماديات، فهي علاقات روحية و قبلية. مرتية أمير المؤمنين مفتاح العلاقات مع الشرق وعدد من الدول الأفريقية. و قائمة الأدلة طويلة تبرهن على أن المغرب يؤثر و يتأثر بمحيطه البعيد و القريب.

بالنسبة للقريب فالجارة الجزائر لا تسهل المأمورية. و شمال أفريقيا عموما، ما يسمى المغرب العربي، يعيش تحت وقع أحداث ليبيا و عجز تونس وتعنت الجزائر واختياراتها الجيوسياسية من قبيل الانضمام للحلف الروسي. عكس الشرق، غير بعيد على بوابة مصر، تولد تجربة اقتصادية وحالة استنفار قوية للرفع من مستوى دول الشرق بالرفع من المستوى المعرفي للإنسان الشرقي. أمير السعودية يصرح علنا و بصوت مسموع و قوة في الطرح أمام الجمع بأنه يتبنى شخصيا حرب الانتقال الحضاري بل وقال انه في الخمس سنوات القادمة سيجعل و نظراؤه من الشرق بديلا عن أوروبا. يقول انها حربه.

جنوب الصحراء، ايضا معقد. هذا الحنوب مقسم لثلاث جهات كبرى، جهات حققت نوعا من التنمية و جهة في طور التنمية و جهة ثالثة غارقة في اللااستقرار والتخلف و الصراعات والإرهاب. اظف على ذلك أن افريقيا محط أعين دول عظمى أخرى تتنافس على السوق الأفريقية و على ثرواتها. حرب ضروية تدور في العلن و الكواليس من أجل تحقيق تواجد بافريقيا. تعتلي الصين منصة المتحكمين في زمام افريقيا بدين سري يتجاوز الثلاثمائة وستين مليار دولار. روسيا، الولايات المتحدة، الهند، فرنسا، المانيا، ايطاليا، اليابان، كلها دول تتصارع على سماء افريقيا وعلى أرضها تتصارع الشرعية ضد فاغنر و ضد كل الانقلابيين.

في أوروبا، الوضع مختلف. بعدما كانت هي الحليف الأول، ولا تزال ذلك الشريك الاستراتيجي للمغرب مع بعض سوء الفهم حول بعض المصالح المتباينة مثل قضية الوحدة الترابية الغالية عند الدولة المغربية والشعب المغربي عموما. أوروبا لم تعد بنفس القوة الاقتصادية ونفس الوزن لان مستقبلها مرهون بوجود الناتو. الروس على الأبواب، والطاقة في تضخم مستمر، 10 % بفرنسا شهر أوت أغسطس مثلا، وضعف واضح في المؤسسات الاوروبية المنتخبة او الرسمية للإتحاد الأوروبي.

أوروبا حسمت موقفها، كانت و لن تخرج من حلف الناتو هي منغمسة في الحرب حتى النخاع. في كل الحالات هي خاسرة في الحرب و ستدفع ثمن خساراتها. لكنها ديبل ديبلوماسيا هي الناتو خلف الولايات المتحدة القوة الأعظم. روسيا تؤسس لقطب يجمعها بدول عظمى من حجم الصين والهند و لائحة طالبي الانضمام للبرينكس طويلة و فيها دول من الشرق الأوسط.

تنظاف لهذه المعطيات السياسية معطى مناخي يتجاوز بآثاره جائحة كورونا و حرب اوكرانيا مجتمعتين: التغيرات المناخية وتأثيرها السلبي جدا على المسيرة التنموية لافريقيا بالخصوص. وتطرح اشكالا دوليا لا يحتمل التأخير في المعالجة. الآثار ستصل أوروبا بطريقة غير مباشرة وبسرعة بسبب تكاثر عدد المهاجرين السريين نحو الشمال الذي بدوره يتأثر بهذه السخونة الحرارية.

تتحرك كل هذه القوى و تسارع الزمن، كل باستراتيجيته، من أجل التموقع على خارطة العالم في النظام الدولي الجديد. نظام القطب الواحد لم سكن نظاما جديدا بل كان وقتا لتجميع القوة و مراجعة الماضي لتصحيحه من طرف القوى التي كانت ترفع مشعل القطب الشرقي.

سقوط جدار برلين لم يكن كافيا لزعزعة قطب جيوسياسي ينافس الناتو والولايات المتحدة على قيادة العالم. كل قطب يقدم قراءة مختلفة. وروسيا في القراءة التي تسوقها، تعطي الدليل على أن الصراع صراع قيم وصراع خيارات استراتيجية اضرت بالعالم.

اسبانيا، الطرف الثالث غير المعلن في ملف الصحراء ، تعيش ما يشبه بداية أزمة سياسية بعد الانتخابات التشريعية السابقة لاوانها. تؤسس لاقتصاد قوي بمعدل تنمية جاوز 5.5 %. تشتغل في صمت و براغماتية. فهمت اسبانيا بأن الملكيتين المغربية و الإسبانية هي السلطات التي يمكن أن تعالج قضية الصحراء المتنازع حولها. الأكيد، أن السلطات الناعمة في كل الجهات المذكورة تتحرك وبقوة. لسبب بسيط هو فرضية هذا المقال أي مدى تأثر دولة بعينها، المغرب نموذجا، من التغيرات الجيوسياسية الحالية.

المغرب نموذجا لان السلطة العليا فيه قررت منذ أزيد من عشرين سنة التركيز على العلاقات جنوب جنوب. تطورت الاستثمارات وتدخلات الدولة المغربية في بناء المنشآت و تطوير التعاون مع دول جنوب الصحراء. توجت بعودة المغرب للاتحاد الافريقي.

قضية الوحدة الترابية وتطور مسارها دوليا ضرورة تتأثر من كل هذه المعطيات الجيوسياسية الجديدة.

السؤال المطروح هو هل تعي القوى العاملة في حقل الدفاع عن قضية المغرب المصيرية هذه التحولات وقادرة على تطوير الآليات وتغيير العقليات وحضور الوطنية الحقة لتحقيق متمنيات الشعبين المغربي والصحراوي من تنمية و عيش كريم؟

 

عبد الغني العيادي

كاتب، مترجم ومحلل سياسي، خبير في الشؤون الأوربية وقضايا المناخ، خريج مدرسة المترجمين الدوليين و جامعة مونس ببلجيكا، عمل ملحقا سياسيا في البرلمان الأوروبي، ضيف على قنوات دولية لتحليل الشأن الأوروبي ( بالعربية، الفرنسية والانجليزية).