يراهن ماكرون على ورقة الثقافة في “صراع البقاء” في إفريقيا

قارة ليست سلبية ولكنها إبداعية، وليست هامشية ولكنها مركزي، وليست منسية ولكنها مرغوبة: هذه هي الرؤية الإفريقية التي استعد إيمانويل ماكرون للترويج لها خلال الرحلة التي استغرقت أربعة أيام في الأسبوع الأول من مارس بين الغابون، أنغولا، الكونغو والكونغو الديمقراطية.

إفريقيا تريد أن تقطع مع مع الوصاية الفرنسية، وسئمت من التعالي الفرنسي الذي لخصه الحكم الكارثي لنيكولا ساركوزي، في عام 2007، حين قال في داكار:”الرجل الأفريقي لم يدخل التاريخ بما فيه الكفاية”.

تعرف مكانة فرنسا تراجعا على المسرح العالمي. يوضح الفيلسوف أشيل مبمبي، مؤلف تقرير مدعوم بالوثائق والحجج عن “العلاقات الجديدة بين إفريقيا وفرنسا “، وإلا فلن يهتم بها أحد وستعزل نفسها عن التطور الجديد للعقل»

لتنفيذ هذا التغيير، يمنح الرئيس الفرنسي دورًا رئيسيًا للثقافة. يصر أحد مصادر الإليزيه على أنه “منذ عام 2017، تشكل محورً قويً لتغيير الطريقة التي تنظر بها فرنسا إلى إفريقيا”. تقوم الاستراتيجية لها بعدين. “أحدهما إبداعي وفني والآخر تراثي وتماثيل”، كما تقول وزيرة الثقافة ريما عبد الملك في تصريح لصحيفة لاكروا. وتضيف:”نسعى إلى ربط المشاهد والجمع بين المجتمعات المدنية وكل من له القدرة على تغيير يغير الصورة النمطية الحالية من بينها إنشاء “بيت العوالم الأفريقية”.

يقترح مبمبي”لن يكون بيت العوالم الثقافية متحفًا أو غيتو، بل مكانًا للعيش، عليه شعارً يرمز إلى الجزء الأفريقي من فرنسا والجزء الأوروبي من إفريقيا، ومن المفترض أن يفتح أبوابه في عام 2024. كما أن لشبكة المعاهد الثقافية والتحالفات الفرنسية الفريدة من نوعها في جنوب الصحراء دور تلعبه أيضًا وهو  إعادة الاتصال مع الإفريقي الجديد، وهذا ما ذكره إيمانويل ماكرون، الاثنين ال 27 فبراير في خطاب أعلن فيه عن رحلته إلى إفريقيا.

هناك بُعد آخر لهذه الاستراتيجية وهو “معالجة الماضي”، والتي تتضمن “فتح الأرشيف للسماح للمؤرخين بالعمل، واسترداد ما يجب استرداده”. في عام 2017 في واغادوغو ، التزام إيمانويل ماكرون بأنه “في غضون خمس سنوات ستتم تلبية الشروط للتعويض المؤقت أو الدائم”، وهو التزام كان بمثابة علامة على الروح المعنوية خارج فرنسا وإفريقيا. لم يتخذ رئيس قوة استعمارية سابقة هذه الخطوة: الاعتراف بالترحيل القسري للفن الإفريقي وإصلاحه. يحلل الصحفي باسكال إيرولت ويقول: “لقد أخذ الموضوع رأسًا على عقب وذهب بعيدًا جدًا”. في الواقع، أدى الوعد الرئاسي إلى تعويضين: في السنغال في عام 2019 وفي بنين في عام 2021.

قليل جدا؟ ربما  بالنظر إلى القوة الرمزية للالتزام. “في هذا الموضوع، كانت فرنسا في الطليعة في عام 2017 ومنذ ذلك الحين أضاعت الوقت وتجاوزتها دولة مثل ألمانيا التي وضعت آليات مبتكرة لحل هذه المشكلة”، يأسف أشيل مبيمبي. ويضيف إن المقاومة أتت من جانب بعض أمناء المتاحف، هذا التباطؤ يشير مصدرنا في الإليزيه إلى أن سره هو أن فكرة الاسترداد تهز تمامًا نظامنا البيئي الفرنسي”، ويضيف إن “للإطار القانوني دوره أيضًا: الأعمال التي تنتمي إلى المجموعات العامة الوطنية، والتي تتمتع بطابع غير قابل للتصرف، يجب التصويت على نص في البرلمان لكل استرداد. للمضي قدمًا، يجب تقديم قانون إطاري “في الأسابيع المقبلة”  كما قال إيمانويل ماكرون يوم ال 27 فبراير.

لكن، هل حقا التغيير في النظرة إلى إفريقيا عبر الثقافة يحقق الهدف؟ ولا يمنع تصاعد المشاعر المعادية لفرنسا في القارة، وفي بوركينا فاسو ومالي على وجه الخصوص؟ وهل حقا هذه الاستيراتيجية قادرة على مواجهة القوى المعارضة الناشطة حاليا في أفريقيا جنوب الصحراء حيث تمر المنطقة بأزمة اقتصادية قاسية للغاية، دفعت فرنسا ثمنها، وكانت كبش فداء للسياسيين الأفارقة الذين لجأوا إلى الحملات المناهضة للاستعمار، وحملات التضليل المدعومة بروسيا من أجل مصالحهم الخاصة فقط كما توضح Lova Rajaoarinelina ، باحثة مشاركة في مؤسسة البحوث الاستراتيجية (FRS).

في مواجهة هذه التحديات، لا يمكن للثقافة إلا أن يكون لها تأثير مباشر لكن متواضع. “سيكون من الوهم أن نتخيل أن التعويض يحل حسابات مائة وعشرين عامًا من التاريخ”، يشير مصدرنا في الإليزيه، محددًا أنه “يجب ألا نعمم هذا الشعور المعادي للفرنسية”. من جهتها ، تقول ريما عبد الملك: “الدوائر الثقافية تضفي فارقًا بسيطًا على الخطاب المناهض لفرنسا وتأخذ الكلمة لتقول إننا يجب ألا نخلط بين الأشياء.»

مع انحسار النفوذ الاقتصادي والعسكري الفرنسي، يمكن للثقافة رغم كل شيء، أن تكون الرابط للمستقبل. “الثقافة والإبداع أسس وموارد” ، يقول الفيلسوف أشيل مبيمبي. “إنها تسمح لنا بفتح طرق أخرى للعيش في عوالم مشتركة بيننا.»

أنطوان جلاسر

صاحب مؤلف"مصيدة ماكرون الأفريقية"