كانت التطورات المحلية في النيجر – وعبر منطقة الساحل في شمال أفريقيا- في السنوات الأخيرة نادرًا ما تثير اهتمام العالم بشكل عام باستثناء باريس حيث ما يزال صناع السياسة الفرنسيون يهتمون بأفريقيا الفرنكوفونية، لكن الانقلاب العسكري في النيجر في 26 يوليو الماضي غيّر كل شيء.
كانت النيجر في السابق مستقرة وديمقراطية نسبيًا وكان يُنظر إليها على أنها الحصن الأخير ضد انتشار العنف والاضطرابات السياسية في جميع أنحاء المنطقة والتي تحرض على الكثير منها الحركات الجهادية المرتبطة بالقاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية ولقد تمكنت هذه الجماعات من السيطرة على شمال مالي في أوائل عام 2012 وهذا يعود الى حد ما الى الحرب الأهلية في ليبيا ولقد أجبر ذلك فرنسا على التدخل عسكريًا لمنع وقوع العاصمة باماكو في أيدي المتمردين المتطرفين.
لقد كانت تلك الحلقة بمثابة البداية لفترة استمرت عشر سنوات من الاهتمام العسكري الدولي من أجل احتواء التهديد الجهادي وتحقيق الاستقرار في المنطقة. لقد جاءت العمليات العسكرية التي نفذتها فرنسا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والحكومات الأفريقية الواحدة تلو الأخرى حيث كانت أكبر تلك العمليات هي بعثة الأمم المتحدة والتي تم نشرها في مالي في عام 2013 وحشدت حوالي 15000 من قوات حفظ السلام. في غضون ذلك، أرسل الاتحاد الأوروبي بعثات تدريبية ونفذت فرنسا عمليات منفصلة لمكافحة الإرهاب كما عززت الولايات المتحدة الأمريكية تدريجياً من مشاركتها وذلك من خلال توفير الدعم العسكري وأشكال أخرى من الدعم. على الرغم من حجم تلك التدخلات، الا ان النجاح الذي حققته كان محدودًا.
سعى اتفاق سلام أبرم عام 2015 في الجزائر العاصمة إلى معالجة الانقسام السياسي بين شمال مالي وجنوبها، لكن هذا الاتفاق كان بعيدًا عن الكمال وبدأ الوضع الأمني في البلاد بالتدهور ببطء مرة أخرى، وفي عام 2020، عانت مالي من انقلاب، تلاه انقلاب اخر بعد عام واحد فقط.
انقلب قادة الانقلاب بعد ذلك على جهود المشاركة الدولية السائدة في البلاد وفي أواخر عام 2021 قاموا بدعوة مجموعة المرتزقة الروسية فاغنر لتقديم المساعدة الأمنية وطلبوا من الفرنسيين المغادرة وكانت النتيجة زيادة انعدام الأمن على المستوى المحلي. لقد احتلت فاغنر القواعد الفرنسية السابقة ونفذت عمليات بدون أي اعتبار يذكر لأرواح المدنيين. إن من أهم أولوياتها تأمين الوصول إلى الموارد الاقتصادية لمالي وخاصة المعادن.
لقد طلب النظام الانقلابي من الأمم المتحدة المغادرة في وقت سابق من هذا العام حيث يقوم جنود حفظ السلام الآن بحزم أمتعتهم وسيغادرون قبل نهاية العام. لم يتبق أي شيء يذكر من اتفاق الجزائر، وسيطرت الجماعات الجهادية على معظم شمال البلاد، وانطلاقًا من تلك المنطقة قامت تلك الجماعات بتصدير العنف إلى بوركينا فاسو المجاورة مما أدى الى وقوع انقلابين في عام 2022. ومنذ ذلك الحين، تبنى النظام الانقلابي في بوركينا فاسو نموذج مالي مع ورود تقرير بأنه استعان بفاغنر أي تكرار نفس تلك الحلقة مما زاد من تقويض الأمن في ذلك البلد و في جميع أنحاء المنطقة.
لقد ظهرت أزمة النيجر الحالية ضمن هذا السياق. تعد النيجر واحدة من أفقر دول العالم، وهي أيضًا واحدة من أكثرها شبابًا. إن من المتوقع أن يصل عدد سكانها البالغ حوالي 25 مليون نسمة إلى ما يقرب من 70 مليون بحلول منتصف القرن ونظرًا لإن معظم أراضي البلاد هي عبارة عن صحراء قاحلة، تعتمد الحكومة على المساعدات الخارجية بنسبة تصل الى حوالي 40٪ من ميزانيتها. ولكن نظرًا لمؤهلاتها الديمقراطية وسجلها القوي نسبيًا في محاربة الإسلاميين وعدم الاستقرار الحالي المرتبط بروسيا فلقد أصبحت النيجر مركزًا لجهود المشاركة الدولية في المنطقة.
قام جوزيب بوريل، الممثل الأعلى للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية في الاتحاد الأوروبي بزيارة البلاد في أوائل شهر يوليو وأثناء وجوده هناك، أشاد بالرئيس محمد بازوم – الذي تم اعتقاله لاحقًا – على ما حققته إدارته كما زار بعثة أمنية تابعة للاتحاد الأوروبي، وقص شريط افتتاح محطة ضخمة جديدة للطاقة الشمسية. لقد كانت الولايات المتحدة الأمريكية كذلك تعمل على زيادة تواجدها في النيجر حيث أنفقت 110 ملايين دولار على قاعدة طائرات بدون طيار بالقرب من مدينة أغاديز، وعند حصول الانقلاب كان هناك أكثر من ألف جندي أمريكي في البلاد.
وبالمثل، كان لدى فرنسا 1500 جندي في النيجر، وقد انضمت إليهم قوات من إيطاليا وألمانيا وكندا. تشكل هذه الانقلابات المتتالية تهديدًا كبيرًا للديمقراطيات المتبقية في غرب إفريقيا حيث تقوم نيجيريا وهي أكبر قوة في المنطقة بقيادة الاستجابة الشاملة من أجل التصدي للانقلاب وحتى أن رئيسها المنتخب مؤخرًا بولا أحمد تينوبو هدد بالتدخل العسكري ضد صانعي الانقلاب في النيجر، وفي حين أن الدبلوماسية هي الحل المفضل، فإن اهتمام النيجيريين بجيرانهم هو أمر مفهوم حيث لديهم الكثير على المحك بحيث لا يستطيعوا أن يكونوا غير مبالين.
وفي الواقع فإن الأمر نفسه ينطبق على أوروبا والعديد من الدول الأخرى وبغض النظر عما إذا كانت جاهزة لقبول ذلك من عدمه.
إن الانهيار التدريجي للحكم في غرب إفريقيا سيفتح الباب لمزيد من التوسع للجماعات المرتبطة بتنظيم الدولة الإسلامية والقاعدة وسيؤدي تأثير هذه الجماعات إلى ظهور تحديات إنسانية وأمنية وتلك المرتبطة بالهجرة بحيث يصعب التصدي لها.
ليس الغرب وجيران النيجر فقط هم من يجب أن يشعروا بالقلق، فالصين يجب ان تشعر بالقلق كذلك باعتبارها ثاني أكبر مستثمر في النيجر. أما الان فالمرء يأمل بإن تؤدي الدبلوماسية الإقليمية القوية الى عودة الاستقرار في النيجر، ولكن إذا فشلت الدبلوماسية، فإن الخيارات الأخرى مثل التدخل العسكري المختلف عليه، ستصبح أكثر ترجيحًا مما يجلب المزيد من المشاكل إلى منطقة مشحونة بالفعل.