أي تأثير للانتخابات الأوروپية يونيو 2024 على العلاقات الدولية؟

بين السادس و التاسع من شهر يونيو 2024، ستشهد أوروپا عاشر انتخاباتها بعد تأسيس الإتحاد الأوروپي، والأولى بدون بريطانيا. تجمع كل التحليلات والمقاربات السياسية الاستراتيجية على أن هذه الانتخابات تكتسي أهمية جيوسياسية قصوى لاعتبارات متعددة. ستجرى في جو تطبعه التخوفات من صعود اليمين المتطرف التي لم تعد احتمالات فحسب بل أضحت واقعا في عدد من الدول الأوروپية. تقام أيضا هذه الانتخابات في ظل وضع جيوسياسي دولي دقيق تحاول أوروپا أن تجد لها فيه موطن قدم. تزيد الحرب الروسية الأوكرانية الوضع دقة خاصة في ظل تدشين مرحلة جيوسياسية دولية جديدة مع بوادر تموقع جيوسياسي مختلف لأوروپا بإيعاز من المفوضية الحالية تحت قيادة أورسولا فاندرلايين و جوزيپ بوريل.

ما هو الإتحاد الأروپي؟ ما موقعه من معادلات النظام الدولي ما بعد سقوط جدار برلين و الحرب الروسية الأوكرانية؟ ما هي مؤسساته؟ ما هي التحديات الكبري التي من المفترض أن يشتغل عليها نواب الشعوب الأوروپية في العهدة القادمة؟ ما هي السيناريوهات الانتخابية الممكنة؟

عديدة هي الأسئلة المطروحة أمامنا لمقاربة وجه أوروپا السياسي و تأثيره على العالم، خاصة الشرق الأوسط و شمال افريقيا، في السنوات المقبلة.

الاتحاد الأوروپي، غير القارة الأوروپية، كيان جيوسياسي يوحد عددا من الدول الأوروپية على قاعدة المصالح المشتركة. تأسس الإتحاد الأوروپي على مراحل وبدايته تعود الى سنة 1951. لا حاجة للخوض في الكرونولوجيا بقدر ما تهمنا الغاية و الكيفية و هنا تكمن الحكمة من تناول هذا الموضوع باللغة العربية من أجل النخبة الناطقة بالعربية لفهم العبرة و الأخذ بها في إطار الاستفادة من التجارب العالمية.

فأما الغاية المعلنة والمضمرة هي الوقاية من الحروب التي مزقت القارة الأوروپية مرتين في القرن العشرين، وأثرت بشكل مستدام على وضعيتها ومستقبلها الدولي. و لعل موقف الاتحاد الأوروپي من الحرب على الفلسطينيين في قطاع غزة ما هو إلا نتيجة لهذا الإرث التاريخي وكذلك التعبئة الشاملة ضد روسيا في حربها على أوكرانيا. لتفادي هذه الحروب التي جعلت من القارة الأوروپية أعنف القارات تاريخيا على الإطلاق حسب تعبير نيكولا ساركوزي، الرئيس السابق لفرنسا. فرنسا التي تجمعها بألمانيا أحداث و تاريخ أليم بحجم من سقطوا ضحايا من الدولتين في الحرب الأوروپية الأولى والثانية. أو ليس ما يصطلح عليه بالحروب العالمية الأولى و الثانية ماهي إلا حروب أوروپية أغلب ضحاياها أوروپيون أو من المستعمرات الأوروپية ومن حلفائها كالولايات المتحدة الأمريكية؟ الغاية الكبرى من تأسيس الاتحاد الأوروپي هي الوقاية و تفادي حرب أخرى في شروط أكثر تعقدا مع إمكانية حرب نووية مستقبلية.

أما عن كيفية التأسيس، فتجدر الإشارة إلى أن الاتحاد الأوروپي تأسس على قاعدة المصلحة الاقتصادية.

سنه 1951، ستتوحد ستة دول على قاعدة تحقيق الأمن الطاقي بلغة اليوم، أي على أرضية الفحم كطاقة أحفورية ضامنة لنجاح الانتقال الإقتصادي ما بعد الحرب الثانية وضمان نجاح الثورة الصناعية. ستجتمع، في الثامن عشر من نيسان ( أبريل)، 1951 ستة دول منها أعداء الأمس، ألمانيا المنهزمة في الحرب، وفرنسا المنتصر،  ومع بلجيكا ولوكسوبورغ وهولندا وايطاليا لتأسيس المجموعة الأروپية للفحم و الصلب، أساس الثورة الصناعية الكبرى. منذ ذالك الحين و الاتحاد في تطور و نمو عدديا ومضمونا سياسيا ليصبح ذلك الكيان الجيوسياسي الوازن في العلاقات الدولية و المؤثر على الحياة اليومية للأوروپيين. من وحدة مصلحية اقتصادية مكونة من ستة دول ما تزال تضمد جراح الحرب الثانية وما يترتب عليها من أحقاد الى اتحاد سياسي وجيوسياسي مكون من سبع وعشرين دولة قبل أن تغادره بريطانيا في ظل شروط سياسية حساسة دوليا وأوروپيا.

لنجاح وحدة أوروپية مستدامة و تماشيا مع الإطار الفلسفي المرجعي العام بأورپا، كان لزاما على الدول الموحدة الاتفاق على نسق مؤسساتي ديمقراطي يفصل في الاختلافات ويسير شؤون الاتحاد. وتجدر الإشارة الى أن الاتحاد الأوروپي تسيره مؤسستين، تماما كما تسير الدول المؤسسة التشريعية و التنفيذية. البرلمان الأروپي هو المؤسسة التشريعية التي ينتج عن أغلبيتها المجلس الأوروپي، وهو بمثابة حكومة للإتحاد الأوروپي.

هل الاتحاد الأروپي كيان سياسي ديموقراطي؟ يبدو السؤال غريبا بالنظر لسيرورة الاتحاد الديموقراطية. لا أحد يشكك في نزاهة الانتخابات ولا في المضمون الديمقراطي. مع ذلك، أغلبية البرامج السياسية المتنافسة على الأغلبية البرلمانية ترافع لصالح دمقرطة أكبر وأوسع باعتبار أن قرارات البرلمان الأوروپي غير ملزمة للمجلس الأوروپي. العلاقة بين المؤسستين محل نقاش عميق داخل المجتمع الأوروپي، نقاش ينضاف الى ما ترفضه القوى الشعبوية من تدخل سافر في السياقات الوطنية التي تترافع هذه القوى على ضمان سيادة الوطني على الأوروپي. وهذا هو التحدي الكبير الذي ستواجهه أوروپا في السنوات المقبلة مع وصول قوى اليمين واليسار المتطرف للحكم في عدد من الدول، بل ونجحت في تعبئة الشعوب لضمان اغلبية مستقبلية ممكنة خاصة بعد نجاح البريكسيت، أي انفصال بريطانيا عن الاتحاد.

يواجه الاتحاد الأوروپي سؤالا وجوديا مضمونه احترام الديموقراطية الوطنية في مواجهة الديمقراطية المركزية الأوروپية.

كما سلف الذكر، يعرف الاتحاد الأوروپي تطورا سياسيا تدريجيا. التدرج في التطور السياسي ضرورة تفرضها شروط خاصة. ليس من السهل جمع سبع وعشرين دولة بخصوصياتها الثقافية و السياسية والمصلحية. لتوسيع رقعة الوحدة الأوروپية، اختار الإتحاد الأوروپي التوسع شرقا مما طرح إشكاليات عظيمة. من المتعارف عليه أن أوروپا الشرقية، ثقافيا و اقتصاديا، ليست هي أوروپا الغربية. پولونيا ليست فرنسا وكرواتيا ليست ألمانيا. التحديات التي تواجه اقتصادات أروپا الشرقية ليست هي نفس تحديات أروپا الغربية والتي قطعت أشواطا عظمى في درب التنمية الاقتصادية والرفاهية. الحد الأدنى للأجور مختلف نوعيا بين الأوروپتين وكذلك البنية الضريبية، و المخاوف من الهجرة ليست بنفس الحدة وحتى التحالفات الدولية طرحت اشكالات حقيقية أثرت بشكل كبير على تطور النقاش حول السياسات الدفاعية. آخر تداعيات هذه الإختلافات، موقف التشيك من الحرب الروسية الأوكرانية، و دول أوروپية من الجهة الشرقية ترفض التماهي مع الموقف الأوروپي العام المناهض لروسيا پوتين.

في ظل هذه التناقضات، رسم جوزيپ موريلي، القائم مقام الخارجية الأروپية استراتيجية جديدة للاتحاد الأوروپي بعد توليه هذه المهمة الحساسة داخل المجلس الأوروپي سنة 2019.جوزيپ موريلي فرض إيقاعا جديدا على الاتحاد الأوروپي وسطر خارطة طريق مختلفة مع سابقاتها أهم ما فيها إثبات الوجود الجيوسياسي الأوروپي على الخارطة الدولية. خارطة طريق تعيد طرح سؤال السلام والحرب في أوروپا بنهج سياسة مقدامة لمواجة تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية.

يمكن القول في هذا السياق بأن هناك ما قبل وما بعد بوريلي في الخارجية الأروپية وهو المدافع على موقف حازم من روسيا ومن دعم أوكرانيا باعتباره الحرب على أوكرانيا مسألة حياة أو موت للإتحاد الأوروپي. عهدته عرفت تطورا نوعيا للموقف الأوروپي لا عسكريا و ا ماديا تجاه كل من أوكرانيا وغزة والبحر الأحمر وضمان التواجد في أفريقيا في ظل شروط تنافسية حادة مع روسيا والصين، وفي ضوء تقهقر الدور الفرنسي في القارة السمراء وبالخصوص في دول الحدود الثلاتة، دول الساحل حيث التحدي الإرهابي  تجذر الوجود العسكري لروسيا عبر ڤاغنر. هنا يأخذ معطى تصاعد اليمين المتطرف كل أهميته. ماذا لو حصل اليمين المتطرف على الأغلبية في يونيو المقبل؟

اقتصاديا، آلأرقام تتحدث. ستعرف اوروبا سننتي 2024 و 2025 معدل تنمية يتراوح بين 1.4 الى 1.7 حسب منطقة الأورو او اوروبا عموما. كما ستشهد السنتين انخفاضا في نسبة التضخم وعلاء المعيشة. هذا بالنسبة لما بعد الانتخابات، اما والانتخابات مناظرة بداية يونيو هذه السنة، فالعروض السياسية المتنافسة على اقتراع يونيو المقبل ستواجه طبقة ناخبة تأثرت احتماعيا بما نتج عن كورونا وعن الحرب الروسية الاوكرانية من تساؤلات حول:

ما هي حقيقة اوروبا الدفاعية والعسكرية؟

الحرب على الابواب وبعيدا هناك في البحر الاحمر تعاني السفن الاورويية من هجمات الحوثيين مما يعرض الاقتصاد لصعوبات حقيقية تنضاف للصعوبات السابقة الذكر. افريقيا الساحل تدير وجهها لفرنسا واووربا تعاني هناك الأمرين اتمرير أجندتها وسط صراع دولي رفيع القيمة مع روسيا فاغنر و الصين والهند و الولايات المتحده الامريكيه…كل هذه المعطيات تتطلب اتحادا أوروبيا قويا بسياسة دفاعية قائمة الذات و باماكانيات ضخمة. دعم اوكرانيا وحدها يتطلب ميزانية بقدر 20 مليون أورو حسب القائم بدور الخارجية في مفوضية الاتحاد جوزيب بوريل. مع العلم ان الاتحاد دفع فيما سبق ما يناهز الستة مليارات دولار على دفعات.

الناخب يواجه ايضا هذه الانتخابات بحصيلة الحكومات الوطنية خاصة بفرنسا حيث تواجه حكومات الرئيس ايمانويل ماكرون اصلاحات جوهرية اقتضت مما اقتضت استعمال المادة 49.3 لتمرير القوانين اللاشعبية بالنظر للاحتجاجات التي رافقتها. ظروف استغلها الخط الشعبوي لتعميق الفارق مع الأحزاب الاخرى و على رأسها حزب الرئيس ماكرون. تشير استطلاعات الرأي المنشورة منذ يناير بان التجمع الوطني وهو حزب يميني متطرف وريث مؤسسه جون ماري لوبين، سيفوز باكبر حصة من البرلمانيين الاوروبيين بنسبة 30 ٪. معطى يؤكد ما رسمه اليمين المتطرف في كل الدول التي اكسب فيها ثقة الناخبين والأغلبية الحكومية كإيطاليا ميلوني وخمس دول اخرى.

عهدة سياسية تنقضي اختبرت فيها المفوضية الأوروبية امام كورونا والحروب ولإصلاحات السياسية، وعهدة تنفتح على تحديات سياسية كبيرة كتنامي المد اليميني المتطرف و امكانية فوزه بالأغلبية في السنوات المقبلة. ناهيكم عن كون اليمين اي حزب الشعب الاوروبي، هو من يحكم اوربا منذ سنة 2014. مما قد يسائل الناخب الاوربي حول التداول على السلطة. معطيات تشير الى امكانية حدوث تغيرات سياسية على مستوى الاتحاد الاوربي. الخارطة السياسية الأوروبية مرشحة للاهتزاز.

خلاصة تحليل هذه المعطيات و اخرى مستقاة من واقع الأحزاب والقوى السياسية التي تشهد تطورات ايضا كالحزب الذي انشق على اليسار الألماني ذي القناعات القريبة من اليمين الشعبوي خاصة فيما يتعلق بالهجرة، الخلاصة هو ان هذه الانتخابات الأوروبية تكتسي طابعا استثنائيا و أهمية قصوى. ونتائجها حتما ستؤثر على العلاقات الدولية في العقد القادم.

الأكيد هو ان اليمين الشعبوي الاوربي مع ميلوني في ايطاليا اخرى ونمط تسييرها للشأن العام و دول أوروبية كالمفاجأة الهولندية التي احدثها الحزب الشعبوي في التشريعات السابقة، ناهيكم عن تغير استراتيجية التواصل لدى التجمع الوطني الفرنسي، رسخت قناعة لدى الناخبين بان اليمين الشعبوي اصبح مثل بقية الاحزاب ويستطيع ان يحكم دون مسؤولية خلق شروط ما تخاف منه الشعوب الأوربية: التطرف المؤدي لحرب أهلية لن تبقي ولن تذر، و هذا ما يخشاه الناخب وليس فقط المواقف السياسية من المهاجرين ومن الاسلام ومن الاجنبي. نستطيع أن نقول بأنه تم التطبيع مع اليمين المتطرف.

الناخب يخاف من المساس بالديموقراطية. ميلوني بايطاليا اقدمت على تسوية وضعية عدد كبير من المهاجرين مرسلة رسالة ضمنية مفادها أنه حتى الحكومة الشعبوية مرغمة للتنازل عن مواقفها الشعبوية و ضمان استقرار المؤسسات وتنمية البلاد. رأينا رحلة ميلوني لتونس لعقد اتفاقيات خاصة لتدبير سياسة الهجرة. دوليا، لم تخرج الدول الأوربية المحكومة من طرف اليمين الشعبوي عن النسق العام الذي تبناه الاتحاد الاوربي والمفوضية برئاسة أورسولا الألمانية الوسط يمينية وبوريل الإسباني الوسط يساري.

يمكن القول بان اليمين الشعبوي يقود حملات انتخابية في اقصى اليمين لكن يحكم في الوسط تماما كما كانت تفعل احزاب الاشتراكية الديموقراطية بقيادة حملات اقصى اليسار و الحكم في الوسط. البراغماتية الأوروبية ليست بمعزل عن الهموم الوطنية بالحفاظ على استقرار المؤسسات و المصالح. من وجهة النظر هذه، واستحضارا لمعطيات ذات علاقة بتجدد قيادات اليمين الشعبوي وبرامجه وسياسات التواصل التي ينهجها، فإن اليمين الشعبوي لا يمثل خطرا حقيقيا وتهديدا للامن القومي الاوروبي ولا على مصالح اوروبا الخارجية. و هذا ما يعطي اليمين الشعبوي فرصة تاريخية لاحداث المفاجأة إن آجلا ام عاجلا.

امكانية فوز اليمين الشعبوي بالأغلبية البرلمانية ليس السيناريو الوحيد الممكن. هناك على الاقل ثلاث سيناريوهات ممكنة. يمكن ان تتغلب قوى اليمين والوسط ووسط اليسار والخضر على اليمين الشعبوي بانتهاج استراتيجية الجبهة الأوروبية سدا منيعا ضد اليمين المتطرف. هذه الاستراتيجية التي اعتمدت في فرنسا منذ اول تواجد هز الكيان الفرنسي لرئيس حزب اليمين المتطرف جون ماري لوبين في الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية سنة 2002. استمرت هذه الاستراتيجية الى حدود العهدة الثانية لايمانويل ماكرون. لكن هذه الاستراتيجية لم تعد ناجعة مطلقا وارقام اخر تواجه بين ماكرون ولوبين في الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية الفرنسية خير دليل. اذ لم تعد الجبهة الجمهورية تقي فرنسا من اليمين المتطرف محليا و وطنيا.

اما السيناريو الثاني المحتمل، هو حدوث التداول على السلطة يفوز وسط اليسار و الخضر و اليسار الشعبوي بالاغلبية و التحالف. سيناريو يقلل من حظوظ استمرارية من أورسولا فاندر لاين على راس المفوضية. ويبقى السيناريو الاكثر واقعية بناء على استطلاعات الرأي الأوربية على بعد أشهر قليلة من الاستحقاق، تفيد ان الإستمرارية ستطبع العهدة المقبلة. اوروبا في حاجة إلى الاستقرار الشياسي على هذا المستوى لحسم الحرب مع روسيا لصالح مصالحها. من المحتمل ان تنتهي الحرب ويتفاوض الاطراف و تكون اوروبا شريكة في هذه المفاوضات وراعية لها كما ترعى فرنسا حاليا مفاوضات الهدنة الثانية بين اسرائيل و المقاومة المسلحة الفلسطينية.

تأثير السيناريوهات الممكنة على الصعيد الوطني و الدولي. على المستوى الوطني، ستؤثر نتائج الانتخابات حتما على مجريات الأحداث السياسية وطنيا في عدد من الدول و على رأسها فرنسا. فيما يخص العلاقات الدولية فإن لكل سيناريو ممكن تأثير محتمل.

اليمين المتطرف و لو فاز بالأغلبية لن يعيد النظر بنيويا في السياسة الخارجية الأوروبية. الاتحاد الأوروبي طرف غير مباشر في الحرب الروسية الاوكرانية. هذا المعطى لوحده يجعل من اي احتمال تغيير الاستراتيجية قد يغير وجه العالم. لهذا لن تغامر القوى اليمنية الشعبوية بموقف مشبوه وتقرب من روسيا رغم ان الاحتمال وارد. لعل موقف التشيك الموالي لروسيا بوتين دليل على ان كل الاحتمالات ممكنة.

اليمين الشعبوي ذو طابع وطني سيادي يعد المصوتين عليه بالخروج من الاتحاد الاوروبي ومن منطقة الأورو. لو لم تخرج بريطانيا و لم تنجح في البريكسيت لشككنا اكثر في امكانية حدوث مثل هذه الأحداث اي الانسحاب من الاتحاد و التخلي عن العملة. بالعكس، هذا المعطى يؤكد بأن كل الاحتمالات ممكنة. بالنسبة للعالم العربي، أو منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا  حتى نكون دقيقين على مستوى المصطلحات، لا شيء سيتغير في كل الحالات. اغلب دول اوروبا عضو في الناتو و للناتو اجندة يصعب معاكستها و ان طالب عدد من ىلاشعبويين من اليمين و اليسار بالخروج من الناتو واعتماد السيادة الأوروبية في استقلالية تامة عن الولايات المتحده الامريكيه.

لفهم التاثير المحلي ( الدولة مستوى محلي مقارنة مع الاتحاد)، سنأخذ مثال فرنسا مع التجمع الوطني. تعتبر هذه الجولة من الانتخابات الأوربية بمثابة حملة إنتخابية رئاسية سابقة لأوانها. اذا أكد التجمع الوطني نسبة تغلغله في المجتمع الفرنسي بنسبة 30 % و نجح في تحويل الغضب الشعبي الى اصوات لصالحه، فأكيد المفاجأة الكبرى ستكون فرنسية حيث لليمين الشعبوي كل المقومات لربح رهان رئاسيات فرنسا المقبلة.

لان السياسة ليست آنية بل تطبعها الاستمرارية حتى في حالة القطيعة، الاتحاد الاوربي مقدم على تجربة سياسية مهمة. امام الشعوب الأوروبية سنتين من الرخاء والرفاهية الاجتماعية والسياسية بعيدا عن التطرف و في ظل ظروف عيش اقل عناء (تراجع نسبة التضخم بالنصف حسب اخر الارقام ونسبة نمو لا بأس بها) وبعيدا عن مخيالات اليمين الشعبوي وريث الاستعمار. ما بعد الانتخابات الأوربية المقبلة ستكون بالتأكيد قطيعة في ظل الإستمرارية بآثار تفتح اوروبا على رهانات مستقبلية اكثر تعقيدا مما هو عليه الوضع اليوم وبعد خمس سنوات.

رهانات تشير كل المعطيات انها ستدور بالأساس حول ملفات الهجرة، الحرب الروسية ضد اوكرانيا، وباقي الملفات الاجتماعية التي هزت بعض الدول الأوربية كملف المزارعين.

عبد الغني العيادي

كاتب، مترجم ومحلل سياسي، خبير في الشؤون الأوربية وقضايا المناخ، خريج مدرسة المترجمين الدوليين و جامعة مونس ببلجيكا، عمل ملحقا سياسيا في البرلمان الأوروبي، ضيف على قنوات دولية لتحليل الشأن الأوروبي ( بالعربية، الفرنسية والانجليزية).