قمة النقب 2: هرولة إماراتية ومأزق مغربي

 أعلن وزير الخارجية الإسرائيلي، إيلي كوهين، في 2 يناير/كانون الثاني الحاليّ عن احتضان المملكة المغربية النسخة الثانية من قمة “النقب” خلال مارس/آذار المقبل، بمشاركة الإمارات ومصر والبحرين مع دولة الاحتلال والدولة المضيفة، إضافة إلى عراب التطبيع التاريخي، الولايات المتحدة الأمريكية.

صاحب الإعلان ردود فعل غير رسمية متباينة بين ترحيب ورفض من الدول المشاركة، فيما التزمت الحكومات الصمت، إذ لم يصدر أي تعليق سواء من الرباط أم غيرها من الكيانات المطبعة بشأن ما أعلنه وزير الخارجية الإسرائيلي ولا تفاصيل بشأن انعقاد القمة، تأكيدًا أو نفيًا، فضلًا عن جدول الأعمال والملفات المطروحة على طاولة الاجتماعات.

يأتي هذا التصريح في وقت تشهد فيه الساحة الفلسطينية تغولًا ممنهجًا من قوات الاحتلال وانتهاكات لا تتوقف، فبعد يومين فقط من الإعلان عنه، اقتحم وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير باحات المسجد الأقصى في الرابع من الشهر، ما أشعل المواجهات بين القوات المحتلة والفلسطينيين في الضفة وغزة وجنين ونابلس، أسفرت عن ارتقاء نحو 15 شهيدًا فلسطينيًا، بينهم 4 أطفال، نظير عشرات المصابين، بعضهم بجروح خطيرة، بحسب بياناتوزارة الصحة الفلسطينية، فضلًا عن موجة اعتقال طالت 235 فلسطينيًا حتى 18 يناير/كانون الثاني الحاليّ.

وبينما يشهد الشارع العربي حالة غليان جراء تلك الانتهاكات، وسط مطالب باتخاذ موقف عربي موحد لوقف عنصرية حكومة بنيامين نتنياهو الجديدة التي أعلنت بشكل مباشر عن خطها العام الذي يركز على توسيع رقعة الاستيطان واستهداف الفلسطينيين بشكل ممنهج، إذ بأبو ظبي – كالعادة – تغرد خارج السرب، فقد احتضنت في التاسع من الشهر أعمال اللجنة التوجيهية لـ”منتدى النقب”، تمهيدًا لعقد القمة الثانية المقررة في المغرب.

المنتدى وبحسب بيان لوزارة الخارجية الإسرائيلية شارك فيه “وفود رفيعة المستوى من الدول الأعضاء الست: الإمارات والبحرين ومصر والمغرب والولايات المتحدة وإسرائيل”، لافتًا إلى أن هذا “هو الاجتماع الثالث للجنة التوجيهية لمنتدى النقب حيث عُقد الأول في البحرين في يونيو/حزيران 2022 والثاني على شكل اجتماع افتراضي في أكتوبر/تشرين الأول 2022”.

هرولة إماراتية

في الوقت الذي تتحفظ فيه بعض العواصم الغربية على التعامل مع حكومة نتنياهو ذات المزيج المتطرف، هناك هرولة وإصرار إماراتي غير مفهوم على المضي قدمًا في تعزيز العلاقات معها بشكل يتجاوز كل الأعراف السياسية والمرتكزات القومية الوطنية والعربية للدولة الخليجية، ناهيك بالبعد الإنساني للمسألة برمتها، باذلة كل ما في وسعها لبث الحياة في عروق اتفاق أبراهام الموقع قبل أكثر من عامين ويعاني من موت سريري في ظل الرفض الشعبي له من جانب، والمستجدات الإقليمية والدولية التي سحبت البساط من تحت أقدامه من جانب آخر.

قبل أقل من يومين أبلغت السيناتور الأمريكية الديمقراطية جاكي روزن، حكومة الاحتلال برفضها القاطع لقاء وفدها – المزمع زيارة تل أبيب في غضون ساعات – أي وزراء داخل الحكومة من اليمين المتطرف، فيما نقل موقع “أكسيوس” عن مسؤولين إسرائيليين قولهم: “روزين وفريقها أوضحوا قبل الرحلة أنهم لا يريدون أعضاء من حزب وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير أو حزب وزير المالية بتسلئيل سموتريتش أن يحضروا أيًا من اجتماعاتهم، خاصة تلك التي سيتم عقدها في الكنيست”.

رفض شخوص بعينهم ينتمون لليمين المتطرف داخل “إسرائيل” ليس موقفًا لاحقًا على تشكيل الحكومة، بل إن عشرات الدعوات والمناشدات أطلقها ساسة أمريكيون وأوروبيون قبل انطلاق الانتخابات الأخيرة في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وتكررت مرة أخرى عند تشكيل نتنياهو لحكومته، بشأن ضرورة استبعاد المتطرفين من أي حكومات قادمة.

وفي خضم تلك المناشدات والتحفظات الدولية على أداء متطرفي الاحتلال، وجهت أبو ظبي دعوة رسمية لنتنياهو، ومعه عضو الكنيست المتطرف، وزير الأمن القومي (حاليًا) إيتمار بن غفير، لحضور حفل السفارة الإماراتية لدى تل أبيب في ديسمبر/كانون الأول الماضي بمناسبة اليوم الوطني للإمارات، الخطوة التي وإن أثارت غضب الشارع العربي – وربما الإماراتي – لكنها تؤكد بشكل كبير حميمية وقوة العلاقات بين البلدين.

الأكاديمي والمحلل السياسي عبد الخالق عبد الله، في تعليقه على تلك الدعوة غرد قائلًا: “لا مكان لهؤلاء على أرض الإمارات وفي سفاراتها”، وتابع “استغرب دعوة صهيوني فاشي واستيطاني إرهابي وسياسي متطرف لحفل اليوم الوطني للإمارات، فالإمارات دولة مبادئ وقيم إنسانية نبيلة أرساها الأب المؤسس زايد طيب الله ثراه ولا تستقبل ولا تستضيف شخصًا كريهًا يروج لخطاب الكراهية ويدعو لقتل العرب”.

مدير مركز بروكسل الدولي للبحوث رمضان أبو جزر، حاول تفسير تلك الدعوة الإماراتية والهدف منها، ملمحًا إلى رغبة أبناء زايد في تقليل حجم الضغوط على حليفهم الإسرائيلي الذي يواجه انتقادات حادة بسبب تعيين متطرفين داخل حكومته، في محاولة لتقديم كل أشكال الدعم له، مغردًا “هناك دعوات داخل المؤسسات الأوروبية وخاصة البرلمان الأوروبي بمقاطعة المسؤولين المتطرفين الإسرائيليين في حكومة نتنياهو المرتقبة، وهذا مؤشر قوي على شكل العلاقة الأوروبية الإسرائيلية في المستقبل القريب”.

رفض وتنديد

استبقت بعض الكيانات السياسية والمجتمعية المغربية الإعلان الرسمي من حكومة مملكتهم عن استضافة القمة ببيانات عبروا فيها عن استنكارهم ورفضهم لاحتضان المغرب مثل تلك القمم التطبيعية في الوقت الذي تُزيد فيه دولة الاحتلال من انتهاكاتها وجرائمها بحق الشعب الفلسطيني.

وفي بيان مقتضب شبه خال من التفاصيل والمبررات المعهودة، رفض حزب العدالة والتنمية المغربي (معارض)، استضافة القمة فوق تراب بلاده، مضيفًا “المجلس الوطني للعدالة والتنمية (برلمان الحزب) أعلن رفضه التام لاحتضان المغرب أي اجتماع بحضور إسرائيل”.

مجتمعيًا.. أعلنت مجموعة العمل الوطنية من أجل فلسطين (غير حكومية)، وجماعة “العدل والإحسان” (أكبر جماعة إسلامية في البلاد)، عقب اجتماع لهما في الرباط، رفضهما القاطع تنظيم “النقب 2” في المغرب، محذرتين من الانعكاسات الخطيرة على السيادة الوطينة جراء ما أسموه “الهرولة التطبيعية” مع “إسرائيل”.

البيان الذي نشرته المجموعة على صفحتها الرسمية على فيسبوك أشار إلى أن احتضان الأقاليم الصحراوية لمثل تلك القمم “أكبر إساءة إلى أرواح الشهداء من أبناء بسطاء الشعب المغربي الذين ضحوا بأرواحهم في سبيل تحرير وطنهم وسيادة شعبهم”، منوهًا إلى أن “مواصلة المشاورات مع كل الأحزاب السياسية والمركزيات النقابية والائتلافات الحقوقية والمدنية في أفق خلق ميزان قوى وطني أوسع وأصلب لحماية وتحصين الدولة والمجتمع وبلورة برنامج عمل يحشد كل الجهد الوطني الموحد للتصدي لهذه الانزلاقات الخطيرة من مخاطر التطبيع”.

الصحراء الغربية.. المغرب في مأزق حرج

يمثل ملف “الصحراء الغربية” نقطة الخلاف الرئيسية بين الرباط وتل أبيب، والمعضلة التي تحول دون ترجمة اتفاق أبراهام إلى إجراءات تطبيعية شاملة رغم العلاقات التاريخية والأرضية المشتركة التي ربما تسرع من تلك الخطوات بحكم الجالية اليهودية المغربية التي تقيم في دولة الاحتلال.

منذ عودة العلاقات بين البلدين في ديسمبر/كانون الأول 2020 ودخول المغرب حظيرة اتفاق أبراهام الموقع عليه معها الإمارات والبحرين والسودان، كان المزاج العام المغربي أن هذا التحول في مسار العلاقة مع “إسرائيل” لا بد أن يترتب عليه اعتراف إسرائيلي رسمي بسيادة المغرب على الصحراء، غير أن الأمور لم تأت على النهج المطلوب، فبعد مرور أكثر من عامين على الاتفاق لم يجن المغرب حصاده المأمول، فلم تعترف تل أبيب صراحة بأحقية المملكة في هذا الإقليم المتنازع عليه، وهو ما وضع الملك والمخزن في موقف حرج أمام الشعب.

وفي 22 يونيو/حزيران 2022 نقل موقع “تايمز أوف إسرائيل” عن وزيرة الداخلية الإسرائيلية السابقة، أييليت شاكيد، دعم بلادها ولأول مرة سيادة المغرب على أراضي الصحراء الغربية، كاشفًا عن اتفاق مع الحكومة المغربية لتعزيز التعاون من ضمن بنوده توظيف عمال مغاربة من قطاعي التمريض والبناء في “إسرائيل”.

خلال اجتماعها مع وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، قالت شاكيد صراحة: “إسرائيل تؤكد دعمها لسيادة المغرب على الصحراء”، وهو التصريح الذي اعتبره مراقبون تحولًا كبيرًا في الموقف الإسرائيلي إزاء هذا الملف، الذي كان يدور حول دعم المفاوضات المباشرة بين جميع الأطراف المعنية دون الانحياز لطرف دون الآخر.

منذ يونيو/حزيران 2022 وحتى اليوم لم تقدم “إسرائيل” أي خطوة إيجابية في هذا المسار، ما دفع محللين لوصف تلك التصريحات بأنها كانت دعاية للاستهلاك المحلي وإيهام الشارع المغربي بشأن الفوائد والمكاسب التي ستحققها المملكة من خلال التطبيع مع دولة الاحتلال، وهو ما أكدته الخبيرة في الشؤون الإسرائيلية، شامة درشول، حين قالت خلال مداخلة لها في برنامج “العالم هذا المساء” المقدم على “بي بي سي” الأحد 21 أغسطس/آب 2022: “المغرب لم يحصل حتى الآن على أي نتيجة ملموسة من هذا التقارب”.

وتطرقت درشول إلى عدم وضوح موقف دولة الاحتلال من ملف الصحراء، وهو الموقف ذاته من جبهة البوليساريو، فهناك غموض لافت في التوجهات يعكس رغبة تل أبيب في مسك العصا من المنتصف، متسائلة: لماذا لا تعترف “إسرائيل” بمغربية الصحراء؟ ثم لماذا يلف موقفها الغموض بشأن البوليساريو؟

حاول الكاتب المغربي حسين مجدوبي، الإجابة عن تساؤلات خبيرة الشؤون الإسرائيلية مستعرضًا في مقال له حزمة الأسباب والمعطيات التي تقود “إسرائيل” لعدم تبني موقف وضح من هذا الملف تحديدًا، أولها الهيكلة السياسية للشارع الإسرائيلي، حيث لليسار صوت قوي في الانتخابات، هذا اليسار الذي يتعامل مع ملف الصحراء من منظور حق تقرير المصير، وعدم الانحياز لطرف دون الآخر، وفي ظل السيولة الانتخابية التي تشهدها دولة الاحتلال مؤخرًا كان من الصعب خسارة تلك الأصوات بمخالفة معتقداتها السياسية خاصة في قضية خارجية.

أما السبب والمعطى الثاني فرغبة “إسرائيل” في عدم الدخول في صدام سياسي مع جبهة البوليساريو، خاصة في ظل العلاقة التي تربط بينها وتيارات داخل الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الولايات المتحدة، مثل عائلة جون كينيدي ووزير الخارجية الأسبق جون كيري ورئيس لجنة الدفاع في الكونغرس الأمريكي حاليًّا الجمهوري جيم إنهوف.

فيما يأتي تجنب استعداء الجزائر بشكل كامل، وتحويلها إلى عدو أبدي، كسبب ثالث وراء عدم اتخاذ “إسرائيل” موقفًا واضحًا إزاء دعم المغرب في ملف الصحراء، إذ يحاول الإسرائيليون فتح قنوات اتصال بين الحين والآخر مع الجزائر طمعًا في ثروات الطاقة والغاز التي تمتلكها من جانب ولتعزيز حضورها السياسي في شمال إفريقيا بصفة عامة.

الرباط أم الداخلة؟

وفق ما تم تسريبه حتى الساعة من وسائل إعلام إسرائيلية، فإن القمة يفترض أن تنعقد بالصحراء الغربية، تحديدًا في مدينة الداخلة الواقعة في قلب الصحراء، وهو اختيار مثير للجدل، وقد ينطوي عليه تهديد عقد القمة من جذورها، فقبول “إسرائيل” بعقد هذا اللقاء في تلك المدينة ومشاركتها بشكل رسمي قد يفسر على أنه اعتراف واضح وصريح بحق المغرب في الإقليم، وهو ما سيضع تل أبيب في مأزق أمام طرفي الأزمة: الجزائر والبوليساريو.

أما في حال رفضت “إسرائيل” المشاركة، ومارست ضغوطها لنقل مقر الانعقاد إلى الرباط أو أي مدينة أخرى فإن ذلك يعني رضوخ المخزن المغربي لإملاءات دولة الاحتلال بما يؤكد أن اتفاق التطبيع كان خطوة سلبية ولم تحقق منها المملكة الأهداف المرجوة التي على رأسها الاعتراف بسيادتها على هذا الإقليم كونه الملف الأبرز على أجندة المغرب خلال السنوات الأخيرة.

وإزاء تلك المعضلة يطرح الكاتب المغربي أبو أيوب عددًا من التساؤلات: ما مدى استعداد الكيان العبري حضور قمة النقب 2 في حال تشبت المغرب باستضافتها بمدينة الداخلة أو العيون مثلًا؟ وهل تجاري الولايات المتحدة الأمريكية هذا المجرى وهي التي لم تفتتح بعد قنصلية لها بالداخلة كما وعدت؟ وهل رئيس وزراء حكومة الكيان بنيامين نتنياهو بوارد تصحيح خريطة المغرب المبثورة من الصحراء التي تزين مكتبه الرئاسي، أم أن حال الخريطة المبثورة يبقى كما هو وأن قمة النقب 2 سوف تعقد خارج جغرافية الصحراء، شأنها شأن مناورات الأسد الإفريقي التي أجريت خارج الأراضي المتنازع عليها؟ تساؤلات يحمل العاهل المغربي ورئيس حكومة الاحتلال والبيت الأبيض وحدهم إجاباتها.. فهل من مجيب؟

ناصر طنطاوي

كاتب وصحفي مصري