احتمالات ما بعد بوتين

ستوكهولم– أما الآن وبعد أن تعرضت روسيا لأضرار كبيرة مما أدى الى تضاؤل دورها بسبب الحرب المتهورة التي اختار الرئيس فلاديمير بوتين ان يشنها في أوكرانيا، ما الذي يمكن أن يخبئه القدر لمستقبل البلاد؟ تتراوح السيناريوهات المعقولة بين انتزاع السلطة من قبل مستشار أمني متشدد مثل نيكولاي باتروشيف وانتصار انتخابي لمنشق مثل أليكسي نافالني. لكن هناك شيء واحد شبه مؤكد وهو أن نظام بوتين لن ينجو من الحرب التي بدأها.

في واقع الأمر قد يمتد نظام بوتين السلطوي ليشمل العديد من المجالات الاقتصادية والسياسية لكنه يعتمد بشكل كامل على سيطرة محكمة من القمة. ان من المؤكد ان الهيكل بأكمله سوف يبدأ بالتصدع مع ضعف تلك السيطرة وعندما تبدأ المجموعات والمصالح المختلفة في المناورة لانتزاع الغنائم من الانهيار المحتوم، وبالتالي ستصبح القوة الرئيسية للنظام – التحكم القوي من قمة الهرم الى أسفله- نقطة ضعفه القاتلة.

ان زمن الاضطرابات الجديد هذا والذي يذكرنا بزمن الاضطرابات المتكررة في التاريخ الروسي سيأتي مباشرة بعد رحيل بوتين. لكن ما زلنا لا نعرف ماهية القوى السياسية التي ستعزز دورها عندما يسقط بوتين. أعتقد أن من غير المرجح على الاطلاق ان يكون هناك أي دافع لمواصلة مغامرة بوتين الخاطئة في أوكرانيا؟ لقد بدأ بوتين الحرب بنفسه ونعلم أنه حتى كبار مسؤوليه الأمنيين لم يكونوا أبدًا متحمسين لها حيث كان ذلك واضحًا منذ وقت مبكر أي منذ اجتماع مجلس الأمن الشهير في الكرملين في الحادي والعشرين من فبراير من العام الماضي والذي تم عرضه على التلفزيون.

وحتى بعد عام من القمع والدعاية التي لا هوادة فيها، فإن الدعم الشعبي الروسي لبوتين يشوبه الفتور في أفضل الأحوال حيث تُظهر استطلاعات الرأي أن الأغلبية تفضل محادثات السلام. ان أي زعيم أو فصيل سوف يظهر بعد بوتين يجب أن يضع على رأس أولوياته انهاء الحرب وبسرعة.

ان هذا لا يعني انه سيكون من السهل انهاء القتال، ناهيك عن العودة الى الوضع الذي كان قائماً قبل الغزو. سيكون هناك حتما بعض الأصوات التي تنادي بأجندة إمبريالية أكثر عدوانية وسوف يكون هولاء في أمس الحاجة إلى تحقيق الانتصار خوفًا على حياتهم وسبل عيشهم. ولكن عندما يكون هناك رأي عام يدعم بوضوح إنهاء الحرب وحين تتفكك سلطة بوتين وتتعثر آلية الكرملين القمعية، فإن القوميين المتطرفين سيتوجب عليهم خوض معركة شاقة جدًا.

علاوة على ذلك، أفرزت أوقات الاضطرابات تاريخياً مطالبات بحكم أكثر تمثيلاً. ان العقود الأخيرة من حكم القياصرة على سبيل المثال هيمنت عليها الدعوات لدستور ديمقراطي وكانت هناك دعوات لمشاريع مماثلة في السنوات التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفيتي حيث لا يوجد أي سبب يدعونا للاعتقاد بأن هذه المرة ستكون مختلفة.

صحيح أنه من غير المرجح أن تخرج المعارضة الديمقراطية الروسية من السجون والمنافي من أجل تولي السلطة. لكن هذا لا يعني إهمال هذه الحركة، فحتى في ظل ظروف قمعية وغير عادلة بالمرة، تمكن أنصار نافالني من الفوز بنسبة 20-30 ٪ من الأصوات الشعبية وزاد دعمه من الناخبين الأصغر سنًا وفي المناطق الحضرية مع مرور الوقت. تصل قناة نافالني على اليوتيوب لعشرات الملايين من الأشخاص من خلال برامج الأخبار والشؤون اليومية ويزداد هذا العدد إذا اضفنا الى ذلك البث عبر وسائل الإعلام المستقلة الأخرى.

يُعتبر تفكك الاتحاد الروسي من النتائج غير المرجحة على الاطلاق علمًا أنه في إطار جهوده لكسب التأييد للحرب ، قدم نظام بوتين هذا السيناريو كهدف غربي واضح، ولكن في واقع الأمر لا يهدف الغرب إلى أي شيء من هذا القبيل فعندما أعلنت الشيشان استقلالها في عام 1991 ، لم يكن هناك حتى تلميح بإن الحكومات الغربية ستدعمها ، وعلى الرغم من أن قضية الشيشان ستظل قضية تثير الخلافات ، إلا أن تأييد الغرب لاستقلال الشيشان لن يحدث أبدًا.

ان التكهنات حول استقلال الشرق الأقصى وسيبيريا لا أساس لها من الصحة، فلو تذكرنا الاحتجاجات العامة الكبيرة في فلاديفوستوك في عام 2020، لوجدنا ان العلمين البيلاروسي (المعارضة) والأوكراني كانا يرفرفان على أساس أنهما رمزان للديمقراطية ولكن المتظاهرين لم تكن لديهم أي أوهام بشأن تحقيق الاستقلال في منطقة شاسعة قليلة السكان وقريبة جدًا من الصين.

على أي حال فإن هناك أسباب تدعونا للافتراض بأن النخب داخل هيكل القوة الروسية تستكشف بالفعل وبشكل سري احتمالات مرحلة ما بعد بوتين بالنسبة لبلادهم، ومع اقتراب موعد انتخابات رئاسية أخرى في عام 2024، أصبح المستقبل السياسي للبلاد موضوعًا شرعيًا وعاجلًا للنقاش.

ان مصير روسيا في نهاية المطاف سوف يقرره شعبها. إن تغيير النظام هو مهمة تخصهم فقط، لكن هذا لا يعني أن على الغرب الامتناع عن التأثير على النتيجة، بل على العكس من ذلك، يجب على صانعي السياسة الغربيين أن يسعوا من اجل إيجاد وسائل لتهيئة الظروف والحوافز لانتصار المزيد من القوى ذات العقلية الديمقراطية.

ان بوتين ليس خالدًا كما أصبحت هشاشته السياسية أكثر وضوحًا يومًا بعد يوم.

كارل بيلدت

وزير خارجية السويد من 2006 إلى 2014، كان رئيس الوزراء من 1991 إلى 1994 عندما تفاوض بشأن انضمام السويد إلى الاتحاد الأوروبي، دبلوماسي دولي شهير شغل منصب المبعوث الخاص للاتحاد الأوروبي إلى يوغوسلافيا السابقة الممثل السامي للبوسنة والهرسك المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى البلقان الرئيس المشارك لمؤتمر دايتون للسلام الرئيس المشارك للمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية