في غمرة احتفالات دولة الإمارات العربية المتحدة بعيدها الوطني 52 قام صاحب الجلالة الملك محمد السادس يومي 4 و5 دجنبر 2023 بزيارة “عمل وأخوة” إلى أبو ظبي تلبية لدعوة كريمة من صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة تميزت بمراسيم استقبال استثنائية أكدت ليس فقط عمق العلاقات بين البلدين ومتانتها، وإنما مدى رسوخ روابط الأخوة والمودة والتقدير المتبادلة على المستوى الشخصي والعائلي بين القائدين.
وبعد مباحثات ثنائية جرت على انفراد بين القائدين في أجواء طبعتها الثقة التامة، والانسجام الكامل في رؤاهما لما ينشدانه من تعاون وتعاضد بين البلدين تم تتويج الزيارة بتوقيعهما شخصيا على إعلان شراكة بين البلدين، شراكة يريدانها مبتكرة ومتجددة وراسخة من أجل الارتقاء بالعلاقات والتعاون الثنائي إلى آفاق أوسع من خلال الدخول في شراكات اقتصادية فاعلة، ورغبة في تطوير مختلف مجالات التعاون التجاري والاستثماري الآنية والمستقبلية خدمة لمصالحهما المشتركة، وبما يعود بالتنمية والرفاه على شعبيهما الشقيقين.
لقد جاءت هذه الزيارة لتثبيت روابط أخوة عميقة نسجت على مدار أزيد من خمسة عقود منذ أن أرسى دعائمها الراحلين الكبيرين جلالة الملك الحسن الثاني وسمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراهما، فيما قامت النتائج الأولية التي تمخضت عنها بقطع الطريق نهائيا على محاولات أطراف محلية هنا وهناك، وأخرى إقليمية ودولية كانت تسعى وما تزال عبر مختلف الوسائل القذرة إلى تضخيم الاختلافات التي ظهرت في مواقف البلدين، وفي طرق تعاملهما مع بعض القضايا العربية والإسلامية ذات الاهتمام المشترك رغبة من تلك الأطراف في الاستفادة من استمرار البرودة غير المعهودة التي طفت على علاقات البلدين منذ أن برز إلى العلن تباين وجهات نظرهما إزاء التعامل مع تيارات الإسلام السياسي في العالم العربي.
والواضح من محتوى الإعلان المشترك الصادر في ختام الجانب الرسمي من زيارة جلالة الملك محمد السادس إلى أبو ظبي أن الطرفين معا يستوعبان جيدا خطورة ما تتميز به الساحة الدولية في الوقت الراهن من عدم اكتراث بمصائر الأمم الضعيفة، وما تحبل به مختلف بقاع العالم من بؤر توتر إما منفجرة مشحونة برائحة الدم والنار أو على وشك الانفجار ؛ الأمر الذي يتطلب ليس فقط تعبئة الطاقات الذاتية، وإنما السعي إلى تأسيس شراكات وتكتلات حقيقية من شأن ترابط مجالاتها وديمومة التعاون والتنسيق فيها أن توفر لطرفيها مناعة تقيهما أي تحرشات خارجية، وتمنحهما مكانة محترمة في مدار الحركة السياسية للمجتمع الدولي.
وفي أولى خطوات تجسيد الطموح الذي يحذو البلدين معا لإقامة شراكة رائدة ومتفردة على صعيد العلاقات الدولية جرت تحت رعاية قائديهما مراسم توقيع 12 مذكرة تفاهم غطت العديد من المجالات الاقتصادية الاستراتيجية، وتضمنت مجموعة من النوايا الصادقة لمشاريع يراد منها دعم برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية الداخلية، وكذا أخرى استثمارية ترنو لاقتحام أسواق إقليمية ودولية، ولاسيما في الفضاء الإفريقي الذي يحظى باهتمام خاص لدى كليهما.
ولكن يبدو من الصياغة العامة لمحتوى مذكرات التفاهم الآنفة الذكر أنها وضعت على عجل مستعيرة بعض مجالات التعاون الواردة في الإعلان المشترك سعيا من الجهات الحكومية التي وضعتها إلى اللحاق ولو بشكل نسبي بالفكر الثاقب للقائدين وببعد نظرهما، إذ لوحظ أن هذه الصياغة لم تتضمن مشاريع محددة بدراسات جدوى شاملة للتكاليف ولتوقعات المردود منها، خاصة وأن إعلان قائدي البلدين كان صريحا بالإشارة إلى أن هذه الشراكة الواعدة تهدف إلى “استحضار المصالح العليا والاهتمامات المشتركة للطرفين، وتثمين الثقة المتبادلة لتحقيق تعاون ملموس يخدم التنمية والمصالح المتبادلة طبقا لمبدإ الربح المشترك”Win/Win .
ولهذا، وتفاديا لأي تأخير في تجسيد الآمال والطموحات التي بلورتها الإرادة السياسية الصادقة لقائدي البلدين يتوجب على الجهات الإدارية الحكومية والمؤسسات العمومية في الدولتين معا، وبتنسيق فعلي وغير شكلي مع تنظيمات القطاع الخاص المتعددة العمل دون هوادة، وبعيدا عن الروتين البيروقراطي القاتل للتقيد بأحكام ما ورد في الإعلان المشترك عن ضرورة القيام بدراسات وافية وضافية لمذكرات التفاهم، وإبرامها في أجل لا يتعدى ثلاثة أشهر من تاريخ نشر الإعلان، مع إقرار تصور مبدئي لفترة إنجازها، وكيفية تمويلها.
ولم يكن مستغربا البتة أن تثير هذه الشراكة الواعدة المحملة بتطلعات مرتبطة بالعلاقات الثنائية بين البلدين، وبتحركاتهما الاستراتيجية في فضاءاتهما الإقليمية الرحبة ردود فعل واسعة إقليميا ودوليا تراوحت بين المرحب بها، والمشكك فيها، والمتوجس منها ؛ مما يحتم على الأجهزة الدبلوماسية الإماراتية والمغربية على حد سواء القيام بحملة مكثفة لشرح الأبعاد النبيلة لهذه الشراكة البعيدة كل البعد عن هواجس الاصطفاف والاستقطاب والتحالفات المصلحية الضيقة الموجهة ضد هذا أو ذاك.
2 / 2
إن الواجب يتطلب من المغرب بشكل خاص أن يبادر بمجرد البدء في قطف أولى ثمرات هذه الشراكة الواعدة والمباركة أن يسعى إلى طرحها للاقتداء بها في العلاقات مع دول عربية أخرى ممن لها الاستعداد لذلك، وهي موجودة كما لوحظ أثناء عرض التحاق المغرب بمجلس التعاون الخليجي، وأثناء مشاركة جلالة الملك محمد السادس في القمة الخليجية التي انعقدت بالرياض في أبريل 2016، وذلك استنادا إلى أن مقتضيات الدستور المغربي تعطي الأولوية في التزامات المملكة على صعيد السياسة الخارجية لضرورة “تعميق أواصر الانتماء إلى الأمة العربية وتوطيد وشائج الأخوة والتضامن مع شعوبها الشقيقة”.
فالمغرب انطلاقا من معطياته الجغرافية والتاريخية والبشرية والثقافية والدينية بلد جمع ووصل بين الشرق والغرب، كما هو بين الشمال والجنوب، ولا أحد يستطيع أن يحول له البوصلة في اتجاه آخر.