يعود إنشاء مجموعة بريكس BRICS إلى سنة 2006 في أعقاب لقاء انعقد بمقر الأمم المتحدة بين وزراء خارجية أربع دول هي البرازيل وروسيا والهند والصين، باعتبارها الدول صاحبة أسرع نمو اقتصادي في العالم آنذاك. وقد ظلت المجموعة ذات طبيعة تشاورية إلى غاية انعقاد أول قمة بين رؤساء تلك الدول في روسيا يوم 16 يونيو 2009، حيث تقرر نقلها إلى إطار مؤسسي وتنظيمي باعتبارها تكتلا اقتصاديا وسياسيا يسعى إلى تعزيز الأمن والسلام العالمي من أجل ضمان الاستقرار المطلوب للنمو الاقتصادي، كما يتردد في بياناتها المتعاقبة.
وبغية نزع الطابع المغلق عن المجموعة، وإضفاء صبغة العالمية عليها بتأمين انفتاحها على كل القارات جرى ضم جنوب إفريقيا سنة 2010 مراعاة للماضي النضالي لشعبها ضد نظام الفصل العنصري، ولكونها ثاني أكبر اقتصاد في القارة السمراء، لتغدو بذلك بريكس أكبر مجموعة اقتصادية من حيث المساحة، إذ تمثل مساحة دولها مجتمعة حوالي 40% من مساحة العالم، ويعيش فيها أزيد من 40% من ساكنة الكون.
ورغم تسرع عدد من المراقبين بالادعاء بأن هذا التجمع هو مجرد اتحاد مرحلي لاقتصاديات ناشئة من المحتمل ألا يعمر طويلا نظرا لتباين الأهداف والغايات الاقتصادية وكذا الطموحات السياسية لأعضائه، إلا أنه صمد وانتظم في عقد لقاءات سنوية على مستوى قادة الدول، وهي اللقاءات التي توجت سنة 2014 في القمة التي احتضنتها البرازيل بالإعلان عن تأسيس بنك التنمية الجديد، الذي رأى النور في السنة الموالية برأسمال وصل حينها إلى 50 مليار دولار، واختيار مدينة شنغهاي الصينية مقرا له.
إن تركيز مجموعة بريكس في التعريف بنفسها على الطابع الاقتصادي لتكتلها، وذلك من خلال الإعلان المتواتر عن أنها تستهدف في المقام الأول تطوير التبادل التجاري وتسهيل انسيابه، وتوسيع الاستثمار وتنويعه لا يخفي طموح أعضائها لتحقيق غايات سياسية بدت واضحة في التأكيد المتواصل من طرف الأعضاء على سعيهم نحو كسر هيمنة الغرب، وتأسيس نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب يؤمن بتعددية أطرافه.
في هذا السياق لم يكن مستغربا أن تغري مجموعة بريكس بما تمثله من حجم سكاني ضخم وقوة اقتصادية هائلة العديد من الدول للالتحاق بها، خاصة مع تواصل نمو اقتصاديات أعضائها، والشروع في تنفيذ عدد من مشاريعها المعلنة، فضلا عما بدأت تروجه عن إمكانية أن يصبح بنكها الجديد للتنمية مؤسسة مالية دولية موازية للبنك الدولي، وذلك بعد دعم نشاطه بالتوقيع على اتفاقية إحداث صندوق احتياطي للطوارئ.
ومع تواصل تبعات الفقاعة العقارية والأزمة المالية التي سببتها سنة 2008، وتشدد شروط الاقتراض من المؤسسات المالية المعهودة كصندوق النقد الدولي أو نادي باريس، تضاعفت آمال عدة دول نامية في الارتباط بهذا التكتل بأي شكل من الأشكال لعله يكون طوق نجاة جزئي لها، لاسيما بعد أن ألمحت مجموعة بريكس إلى إمكانية توسيع محتمل لعدد أعضائها، إذ دعت كلا من تايلاند والمكسيك ومصر وغينيا وطاجيكستان إلى الحضور بصفة مراقبين في قمة مدينة شيامن الصينية سنة 2017.
وقد ازدادت التلميحات أكثر في قمة المجموعة المنعقدة بجوهانسبورغ سنة 2018 حيث تمت دعوة تركيا للحضور بصفتها آنذاك رئيسة لمنظمة التعاون الإسلامي، ثم في قمة سان بيتر سبورغ التي انعقدت بنظام التناظر عن بعد سنة 2020 بشراكة مع منظمة شنغهاي للتعاون.
ولذلك تزايد اهتمام الكثير من الدول بالالتحاق بمجموعة بريكس، خاصة مع تنامي الدور الصيني على مستوى الاقتصاد العالمي، وكثرة الانتقادات اللاذعة الموجهة للدول الغربية الكبرى ومؤسساتها المالية بسبب فشلها في توفير الحد الأدنى من الدعم للدول الفقيرة إبان جائحة كورونا، وتفاقم أزمات الطاقة والغذاء في العديد من دول العالم إثر الحرب الروسية على أوكرانيا. ومن بين هذه الدول عدة بلدان عربية أبدى بعضها تهافتا غير مبرر على الإطلاق سواء من الناحية السياسية أو الاقتصادية.
فإذا كانت لرغبة كل من السعودية والإمارات في توثيق الصلات مع مجموعة بريكس مبررات قوية من الناحية الأمنية والاقتصادية والمالية، حيث يسعى البلدان معا إلى تقليص رهانهما على الدعم الغربي لضمان الأمن والاستقرار في محيطهما الملتهب، وإلى توسيع وتنويع مبادلاتهما التجارية وتأمين فرص شراكات استثمارية من خلال توظيف جاذبية صناديقهما السيادية، وكذا توثيق التعاون البناء في المجالات التكنولوجية، وتنسيق سياسات الطاقة خاصة مع روسيا في إطار مجموعة أوبك+، فإن بقية الدول العربية الأخرى تبدو متهافتة على الالتحاق بهذه المجموعة لأسباب يعوزها الكثير من المنطق، معظمها للاستهلاك الداخلي وصرف أنظار الرأي العام في تلك الدول عن مشاكله الحقيقية.
والملاحظ أن دوافع هذه الدول الأخيرة متعددة وأغلبها واهية، إذ يتوفر بعضها فقط على اقتصاد ريعي لا يغري كثيرا بسبب ترهل منظومته البيروقراطية الإدارية والمالية واعتماده فقط على تصدير مواد الطاقة من غاز وبترول، فيما البعض الآخر يعتقد بأن التحاقه بمجموعة بريكس سيؤمن له مصدر تمويل إضافي، وأن تكرار التلويح بهذا الالتحاق من شأنه أن يحسن شروط تفاوضه مع دائنيه، الذين يطالبونه بإنجاز إصلاحات جذرية عميقة في منظومته الاقتصادية، إصلاحات يخشى أن تفجر أزمة اجتماعية خانقة غير قادر على التعامل مع عواقبها الوخيمة.
لاشك بأن مجموعة بريكس في حاجة إلى التوسع إذا ما أرادت أن تمثل ندا للتكتلات الاقتصادية الغربية، وخاصة مجموعة السبع، ولكن يبدو من آخر تصريحات بعض أعضائها أنها لن تفتح الباب على مصراعيه لمن يشاء. لقد كان وزير خارجية البرازيل واضحا في هذا الصدد عندما قال: “تمثل بريكس تاريخا من النجاح…المجموعة أيضا علامة بارزة وأصل BRAND، لذا علينا العناية بها”.
أليس من الأحسن للعرب أن ينقلوا هذا التهافت على بريكس إلى تفعيل اتفاقاتهم الاقتصادية والتجارية البينية، والمبرمة في إطار الجامعة العربية لكي يفاوضوا كل الكتل الاقتصادية العالمية من موقع الندية؟