بعد فرحة مونديال قطر..المغرب على صفيح ساخن

منذ الإنجازات الملهمة التي حققها المنتخب الوطني لكرة القدم في المونديال، يواجه المغرب هجمات متعددة على المستوى الدولي.

أولا، من خلال ما يعرف بقضية المغرب غيت والتي يزعم فيها أن المغرب قدم رشوة للبرلمانيين الأوروبيين، إضافة إلى مهاجمته في محكمة العدل الأوروبية لتجريد أراضيه الجنوبية من علامة “صنع في المغرب”، وطبعا مغازلة الرئيس ماكرون للجزائر التي يستعد لتسليحها وتزويدها بقمر صناعي للمراقبة، وأيضا إيطاليا التي تقترب من الاعتراف بما يسمى بالجمهورية الصحراوية، هذا دون إغفال دول إفريقية بدأت تتلكأ في الاستمرار في مشاريع تنموية مشتركة، والإمارات العربية المتحدة التي تضاعف من استثماراتها في الجزائر، في مقابل الصين التي تبطئ مشروعها الضخم في طنجة، كما عاد أنصار جبهة البوليساريو للظهور في مدينة العيون، واستعادت وسائل الإعلام والصحفيين المدفوعة من الجزائر العاصمة نشاطها، وجرى إيقاظ الخلايا النائمة المعادية للوطنية… والقائمة طويلة وتهم جميع القطاعات. حتى كرة القدم يبدو أنها قد تتعرض للمعاناة في الأسابيع المقبلة إذا أخذنا بعين الاعتبار التصريحات المقلقة لبعض المسؤولين القاريين.

أمام هذه الأوضاع المتناسلة، ترى ماذا يحدث فعلا؟

ما يجري حاليا هو أن العالم قد تغير في الأشهر الأخيرة وتغير الوضع الجيوسياسي منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا.

في الواقع، أدت هذه الحرب بطريقة ما إلى عسكرة العالم. كما أعيد رسم المقاربة الجيوسياسية والجيو-اقتصادية باللون الكاكي واستبدل الاستراتيجيون بدلاتهم بملابس عسكرية.

وبالتالي، باتت هذه المعادلة الجديدة للعالم:

* تريد واشنطن إضعاف أوروبا من خلال التخطيط للسيطرة على أهم شيئين يضمنان بقاء القارة العجوز في العقود المقبلة: الفوسفات، والزراعة في إفريقيا من ناحية، ثم إغراق الدول الأوروبية في صراع مسلح طويل الأمد. ومن يحتكر الأسمدة والصناعات الغذائية سيحكم العالم في السنوات المقبلة، هذا هو شعار كل استراتيجيي القوى العظمى اليوم.

* بعد أن فهمت فرنسا، متأخرة، الأهداف الأمريكية، تحاول بكل الوسائل استعادة نفوذها في القارة الإفريقية والحفاظ على مصالحها أو حتى تطويرها، ولأنها لا تتقن ذلك إلا بالعنف، فإن الشريك الوحيد القادر على القيام بهذه المهمة، هو النظام العسكري الجزائري.

باريس تريد إثارة التوتر العسكري في المنطقة، والجزائر تعزف على نفس الوتر.

* يمكن تلخيص رؤية العاهل المغربي لتنمية إفريقيا، سيما منطقة المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا CEDEAO ، في ثلاثة مجالات متكاملة: الوصول إلى الطاقة عبر خط أنابيب الغاز نيجيريا ـ المغرب والطاقات المتجددة، والتنمية الزراعية من خلال الأسمدة من الفوسفاط المغربي، وأخيراً تطوير البنية التحتية وخاصة الطرق والميناء الضخم بالداخلة مما يتيح للمنطقة أن تصبح ملاذا للاستقرار والثروة. لقد حولت هذه الرؤية منطقة غرب إفريقيا إلى هدف لكل الرغبات.

خلاصة القول: إن فرنسا تسعى إلى كبح جماح هذا التحرر الذي سيؤدي، من بين أمور أخرى، إلى تحرير هذه البلدان من نير الاستعمار النقدي والمالي ومن التبعية التي هي رهينة ترزح تحت وطأتها التي تزداد شيئا فشيا أكثر من أي وقت مضى، في نفس الوقت، ترى الجزائر أن هذا الزخم هو نهاية نموذجها الاقتصادي القائم على الغاز وعدم الاستقرار في منطقة الساحل.

* الإمارات العربية المتحدة من جهتها تجد صعوبة في استيعاب حقيقة أن المغرب يرفض أي تأثير لها على توجهاته الاستراتيجية. لكن أبو ظبي تحاول أيضًا دفع المغرب لتمهيد الطريق لها لوضع يدها على اقتصاد منطقة غرب إفريقيا. ولكي نكون أكثر دقة ونقولها بشكل أوضح:

“تدرك الإمارات أنه بدون امتداد جغرافي لنموذجها الاقتصادي، فإنه محكوم عليها أن تتجاوزها، وتتفوق عليها المملكة العربية السعودية التي تتقدم بسرعة، وخطوات ثابنة، نحو اقتصاد قوي، وحديث، وانفتاح على العالم يتفوق على باقي دول الخليج، ويضعها كقوة اقتصادية عالمية جديدة”.

هذا هو السبب في أن أبوظبي تسعى للتموقع بميناء الداخلة، حيث تصبح مركزا جديدا للصناعات الغذائية على مستوى عالمي. نسخة من دبي تطل على المحيط الأطلسي وتمتد إلى قارة واعدة على جميع المستويات.

وللقيام بذلك، يُسمح بكل الحيل، بما في ذلك تعميق العلاقات مع النظام الجزائري، وحصار المغرب على مستوى المؤسسات الأوروبية بما في ذلك برلمان ستراسبورغ، ومحكمة العدل الأوروبية، ناهيك عن التعاون الإماراتي الجزائري للعب دور مهم في سياسة الغاز في السنغال، أو دور رجل إطفاء الحرائق ـ الذي لا يتردد في إشعال الحرائق في ليبيا، وأمور أخر.

في ضوء هذه المعادلة الجديدة لعالم ما بعد كورونا، وحرب أمريكا وروسيا في أوروبا،  من الواضح أن المغرب بات مدعوا إلى الشروع في تحديث سريع لاستراتيجيته الدبلوماسية بغاية التكيف مع هذه التهديدات الجديدة، وهذا الشكل الجديد من العدائية.

إن تطوير محور الرباط – مدريد بداية ممتازة. كما أن التقارب مع بريطانيا العظمى، رغم أنه لا يزال خجولا، فهو يظل مهما للغاية، لكن حان الوقت لتسريع الوتيرة، وتغيير العقيدة الدبلوماسية، دون إغفال القيم الإنسانية التي ترتكز عليها السياسة الخارجية المغربية.

 

مقالات الرأي لا يتبناها “البهموت”، ولا تعني إلا كاتبها، حرصا على الوفاء لشعار”الرأي رأيك”

عمر الذهبي

مدير News Com Africa، ناشر، كاتب، مدير الأخبار سابقا في مؤسسة راديو وتلفزيون البحر الأبيض المتوسط الدولية، مدير نشر ورئيس تحرير سابق في كل من الصحيفة المغربية الناطقة بالفرنسية لوماتان واوجوردوي لوماروك