حان وقت أن تقول فرنسا للمغرب: WE NEED TO TALK

لا يختلف اثنان على وجود تشنج في علاقات فرنسا بالمغرب يخشى كثيرون في غياب  أي محاولات جادة لتليينه من تحوله إلى توتر حاد، خاصة وأنه قد أحدث شرخا كبيرا في أسس الثقة التي ميزت التعامل بين البلدين، وتعاونهما الوثيق في مختلف المجالات الممكنة، وذلك منذ أن استطاعا معا تجاوز تداعيات اغتيال الشهيد المهدي بن بركة سنة 1965، والاتهامات التي تم تبادلها آنذاك بشأن تلك الحادثة.

ومن خلال التصرفات الصادرة عن كل طرف يتضح أن هذا التشنج ليس طارئا أو جديدا على علاقات البلدين، وأن الأمر الذي أميط عنه اللثام هو تلاشي هامش المناورة الذي كان بالإمكان فيما مضى استخدامه لتجاوز بعض العقبات التي كانت تظهر بين الفينة والأخرى في مسيرة علاقاتهما الكثيفة والمتشابكة، وللتهرب من اتخاذ المواقف الحاسمة المطلوبة في عدد من الملفات، وخاصة بالنسبة لفرنسا فيما يتعلق بتوضيح موقفها من قضية الوحدة الترابية للمغرب.

لقد كانت ضبابية الموقف الفرنسي من قضية الصحراء المغربية ورقة مهمة تمنح لباريس هامشا كبيرا للمناورة، فهي من جهة ترضي المغرب بتأكيدها المتواتر داخل مجلس الأمن الدولي على جدية ومصداقية مبادرة الحكم الذاتي، وتسوق للجزائر من جهة أخرى بأن تلك الجدية والمصداقية لا تنفي ضرورة منح ساكنة أقاليمنا الجنوبية حق تقرير مصيرها عبر استفتاء تدرك باريس نفسها استحالة تطبيقه، كما استنتجت الأمم المتحدة من خلال تجربتها في لجان تحديد الهوية حيث اكتشفت عبثية موقف ممثلي البوليساريو.

ولم يكن خافيا قط أن فرنسا بهذا الموقف كانت تستغل تدهور العلاقات بين الرباط والجزائر وانقطاع التواصل بينهما لابتزازهما معا بغية الحصول هنا وهناك على امتيازات اقتصادية واستثمارية لشركاتها في أسواق البلدين، ومشاريعهما التنموية، وتعزيز رصيد مصداقيتها لدى الطرفين، فضلا عن مواصلة تعميم لعب الدور الأبوي، الذي تتوهم أنها ما تزال قادرة على لعبه في دول المنطقة من دون مراعاة الفروق الكبيرة الموجودة في قوة تماسك مجتمعات هذه الدول، والاختلافات الجوهرية في مدى متانة أنظمتها بين تلك الراسخة جذورها كما هو الحال في المغرب، وبين من لا تزال تؤرقه حراكات شعبية ينتظر العون من فرنسا، ويعمل على اختلاق صراعات خارجية بلا مصداقية علها تساعده في إخماد تلك الحراكات أو على الأقل لجمها.

غير أن هامش المناورة هذا تقلص كثيرا، وربما سقط نهائيا فيما يخص التعامل مع المغرب نتيجة الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، والتطور الكبير الذي عرفه كل من موقف إسبانيا وألمانيا، وهي خطوات لم تكن باريس تتوقعها مطلقا؛ الأمر الذي اعتبرته تطورا سلبيا جاء ليسحب منها ورقة مساومة وابتزاز مهمة، واضطرها إلى أن تكشف عن نواياها الحقيقية غير الصادقة مع المغرب عكس ما كانت تحاول الإيحاء به من قبل، ليس فقط إزاء وحدته الترابية، وإنما في مواضيع أخرى بدأت تفصح عن انزعاجها من حيوية النشاط المغربي فيها، وأهمها على سبيل المثال:

أولا، تنامي الإشعاع المغربي في القارة الإفريقية، وهو إشعاع متعدد الأبعاد سياسية واقتصادية واستثمارية وتجارية وثقافية ورياضية وروحية، أساسه الربح المتبادل Win/Win واحترام الخصوصيات وعدم التدخل في الشؤون الداخلية أو ممارسة الوصاية الأبوية. وقد كان حريا بفرنسا أن تعمل على دعم هذا الإشعاع في إطار تعاون ثلاثي بدلا من محاربته، ومحاولة وضع العراقيل في طريقه إذا هي رغبت في وقف تآكل نفوذها في القارة السمراء، واستعادة بعض من هيبتها هناك.

ثانيا، تزايد مصداقية اعتدال المقاربة المغربية للحقل الديني، وللتعامل مع قوى الإسلام السياسي، والخشية من اكتساحها لهذا الحقل حتى على الصعيد الأوروبي، في وقت تسعى باريس بتشجيع وربما بتمويل عربي أيضا إلى ابتداع إسلام خاص بها يكون هو النموذج المستقبلي للتعامل مع المسلمين في القارة الأوروبية، وقطع صلاتهم بمرجعياتهم الدينية في بلدانهم الأصلية، وفي مقدمتها مؤسسة إمارة المؤمنين المغربية الأكثر حضورا والأوفر حظا للانتشار بسبب رسوخ أسسها التاريخية، واعتدالها وتسامحها ومجادلتها للغير بالتي هي أحسن.

ولا شك أن أول خطوة في هذا السياق قد بدأت مع إنهاء دور مجلس الديانة الإسلامية الذي كان يمثل مختلف الشعوب الإسلامية، وإحداث ما سمي ب”منتدى الإسلام” الذي تدعي الحكومة الفرنسية أنه سيقوم على أساس العلاقة المباشرة مع المواطنين الفرنسيين المسلمين وجمعياتهم المحلية بعيدا عن أي تدخل أجنبي.

لكل ما سبق من الصعب توقع أي تشافي سريع للتشنج الذي تعانيه العلاقات المغربية الفرنسية، وأن باريس، إذا كانت راغبة فعلا في استعادة هذه العلاقات لحيويتها المعهودة كما يردد مسؤولوها، مدعوة إلى تطوير مواقفها بشكل إيجابي من القضايا المصيرية للمغرب، خاصة وهي الأكثر إلماما بالحقائق التاريخية لتلك القضايا.

في تصريح أدلى به الرئيس إيمانويل ماكرون شهر فبراير الماضي أكد على وجوب مواجهة العقلية الاستعمارية لروسيا، والأمل أن يسعى فخامة الرئيس إلى مواجهة كل أنواع العقليات الاستعمارية بلا استثناء.

 

مقالات الرأي لا يتبناها “البهموت”، ولا تعني إلا كاتبها، حرصا على الوفاء لشعار”الرأي رأيك”

عبد القادر زاوي

دبلوماسي متقاعد، سفير المغرب السابق في عدد من الدول العربية، مؤلف وكاتب عمود على مجلة المجلة