حتى لا يفشل مشروع خط أنبوب الغاز بين الرباط وأبوجا…

يتزايد الوعي يوما بعد يوم لدى شعوب القارة الإفريقية، ولدى بعض نخبها الوطنية السياسية والثقافيةوالإعلامية بأن ما تبديه القوى الدولية الكبرى والقوى الاقتصادية الصاعدة عالميا من تودد لبلدانها وسعي إلى التعاونمعها ليس حبا فيها، ولا يعكس رغبة إنسانية حقيقية للمساعدة على تنميتها من أجل انتشالها من براثين العديد منأزماتها وتأمين التحاقها بمستوى باقي القارات، ولكنه ينبع أساسا من شهوة الطمع في الاستفادة القصوى مما تختزنهبلدان القارة السمراء من ثروات معدنية في باطن أرضها، وما تزخر به تربتها من خيرات زراعية يمكن أن تجعل منها سلةغذاء عالمية مهمة.

ويتمثل هذا الوعي في ارتفاع أصوات عدة شخصيات إفريقية متنوعة الاختصاصات لا ترى ضيرا في الاستعانة بأي دعم أجنبي، ومن أي جهة كانت شريطة أن يتم ذلك على قاعدة الربح المتبادل وبعيدا عن السقوط في فخ الاستقطاب الذييجتاح الساحة الدولية حاليا، والذي من شأنه مضاعفة حجم المشاكل الإفريقية البينية بدلا من تقليصها إذا ما ارتمتالأنظمة الحاكمة في حبال هذا الاستقطاب وتفرقت بين أقطابه.

لهذا، فإن هذه الأصوات ومن بينها شخصيات صاحبة قرار في بلدانها لم تتوقف قط  في مساعيها عند حد الترحيبوالبحث عن الاستفادة من الدعم الخارجي المجرد من الاعتبارات السياسية، وأيا كانت صيغته، وإنما ظلت تعمل من اجلتجسيد تطلعها إلى إعطاء الأفضلية والأسبقية للتعاون بين الدول الإفريقية نفسها، سواء أكان ذلك في إطار ثنائي أوضمن تكتل مجموعة من الدول، لإيمانها بأن التعاون بين الأفارقة أنفسهم كفيل بتأمين انطلاقة اقتصادية واعدة وشاملةتستجيب للآمال والطموحات التنموية لمختلف الشعوب الإفريقية.

وقد ساهم وجود بعض التجاوب مع هذه الجهود الإفريقية المحلية في الحصول على نسبة مرتفعة من النجاح في أكثرمن مشكلة من المشاكل التي تؤرق شعوب القارة السمراء لعل آخرها ما حصل بشأن النزاع في منطقة تيغراي بإثيوبيا،وذلك بالتوقيع على اتفاقية بريتوريا، التي مثلت نتاجا لجهود أفريقية خالصة ومخلصة بدت معالم انشغالها بالمستقبلفي أن بنودها لا تقف عند النص على الوقف الفوري للأعمال العدائية ونبذ العنف كوسيلة لحل الخلافات السياسية،وإنما تجاوزت ذلك إلى المطالبة بالعمل من أجل إعادة تأهيل الروابط الاجتماعية بين سكان الإقليم رغم اختلافاتهم العرقيةوالدينية بغية تسهيل الانتعاش الاقتصادي والاندماج الاجتماعي.

إن تنامي الوعي الإفريقي بمنطق تشبيك المصالح الاقتصادية والتجارية لبلدان القارة فيما بينها ، وبما يعود بالنفععليها جميعا، ويساهم في تسهيل حل أي خلافات قد تكون قائمة بين البعض منها سيتجسد بوضوح في مشروع خطأنبوب الغاز نيجيريا المغرب، الذي يهدف إلى تقوية التكامل الإقليمي في غرب القارة السمراء، وتعزيز أمن الطاقة لإحدىعشر دولة أفريقية على المحيط الأطلسي قبل ربطه بشبكة الغاز الأوروبية لتصدير فائض الغاز إلى أوروبا التواقة بلدانهاإلى التحرر نهائيا من التبعية للغاز الروسي بإيجاد مصادر بديلة له معقولة أسعارها من الناحية المالية، وغير مكلفة منالناحية السياسية.

ورغم أن الاستفادة المباشرة من هذا الخط ستقتصر في مرحلته الأولى على الدول التي يمر بها، إلا أن بعده الشامل لم يكنخافيا على كل من الرباط وأبوجا اللتين بادرتا سنة 2016 إلى وضع أساسه القانوني، وبدء الترويج لأهمية إقامتهوإقناع الدول التي سيقطع أراضيها بالانضمام إليه، إذ أكدتا حرصهما على أن تتماشى الغاية المثلى منه مع أهدافمبادرة الشراكة الجديدة لتنمية أفريقيا New Partnership for Africa’s Development، وأن يكون ضمن مشاريعالتنمية المستدامة لأزيد من 400 مليون نسمة أفريقية، ومتوافقا مع البنيات التحتية الطاقية لكل الدول التي سيمر منها.

ومما لاشك فيه، فإن مبادرة البنك الإسلامي للتنمية إلى المساهمة عبر الحكومتين المغربية والنيجيرية بتمويل 50 بالمائةمن دراسة التصميم الهندسي للمشروع التي بلغت 90 مليون دولار، فضلا عن إسهام صندوق أوبك للتنمية الدولية فيتكاليف هذه الدراسة تشي بوجود قناعة دولية كبرى بالأبعاد التنموية الشاملة لهذا المشروع ؛ الأمر الذي سينعكس لامحالة بشكل إيجابي على عملية استقطاب الاستثمارات اللازمة لإنجازه، والمقدرة ب 25مليار دولار.

ومن اجل استغلال أسرع وأمثل لاهتمام العديد من المؤسسات المالية الدولية والإقليمية بهذا المشروع، ونقل هذا الاهتمامإلى إجراءات فعلية يفترض البدء في تكثيف التحركات الدبلوماسية على كافة الأصعدة من طرف كل من المغرب ونيجيرياومعهما الدول التي سيمر الأنبوب عبرها، خصوصا وأن مشاريع منافسة كانت قد أقبرت من قبل جرى نفض الغبار عليهالأسباب معظمها كيدية لتغذية أوهام هيمنة لا توجد إلا في أذهان أصحابها فقط.

فهذه المشاريع المنافسة لا ميزة لها سوى أنها قد تكون أقرب مسافة بمرورها عبر أجزاء من الصحراء الكبرى في النيجر أوتشاد، ولكنها في ضوء الظروف الراهنة غير آمنة نتيجة تصاعد نشاط العديد من الجماعات الإرهابية والانفصالية فيالمنطقة ؛ الأمر الذي يجعل كلفة حمايتها إضافة إلى صيانتها تحت الرمال مرتفعة للغاية.

مقالات الرأي لا يتبناها “البهموت”، ولا تعني إلا كاتبها، حرصا على الوفاء لشعار”الرأي رأيك”

عبد القادر زاوي

دبلوماسي متقاعد، سفير المغرب السابق في عدد من الدول العربية، مؤلف وكاتب عمود على مجلة المجلة