راشد الغنوشي يكتب من داخل السجن: سعيد يعرقل تحول تونس إلى دولة إسلامية ديمقراطية

هذا المقال كتبه والدي قبل أسبوعين لتوضيح الوضع الحالي في تونس. كما أراد والدي أن يقدم نبذة عن جهود المعارضة لإعادة الديمقراطية ومقترحاتها لحل الأزمة الاقتصادية والسياسية. هو الآن، يبلغ من العمر 81 عامًا، ومرة أخرى يتواجد خلف القضبان في السجن بعد أن تم اعتقاله منذ أكثر من أسبوع بتهم ملفقة بالتآمر ضد أمن الدولة، قبل ثلاثة أيام فقط من الاحتفال بعيد الفطر. لا تزال كلماته ذات صلة ونداءه أكثر إلحاحًا. – يسرى الغنوشي

,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,

على مدى العقود الستة الماضية، حاولت دائمًا الالتزام بمبدأ بريكليس – أن الحرية هي ملكية أكيدة لأولئك الذين لديهم الشجاعة للدفاع عنها وحدهم. بعد أن أمضيت وقتًا طويلاً في زنزانات الديكتاتوريين، لدي معرفة مباشرة بمدى قيمة الديمقراطية – ولماذا يجب الدفاع عنها بأي ثمن. بعد أن ناضلت من أجل الحرية والتعددية السياسية في بلدي لمدة 40 عامًا، لست على وشك التوقف الآن.

بعد ثورة 2011، أصبحت تونس رمزًا للأمل في المنطقة العربية والعالم، لكن التقدم المضني في إرساء الديمقراطية منذ ذلك الحين تم التراجع عنه في الأشهر الـ 21 الماضية من قبل الرئيس قيس سعيد، الذي استولى على السلطة في 25 يوليو 2021. منذ ذاك الحين، التزمت بمبدئي في التحدث علناً ضد هذا الانقلاب. على الرغم من التواصل مع قيس سعيد عدة مرات من أجل إنقاذ بلدنا من الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي أغرقها فيها، كان رده باستمرار هو اعتقال وسجن وتشويه صورة المعارضة، بما في ذلك أعضاء من الحزب الديمقراطي الإسلامي الذي أقودة. حزب النهضة. واجه العديد من شخصيات المعارضة السياسية والصحفيين والقضاة وقادة المجتمع المدني ورجال الأعمال المضايقات والفصل والمحاكمة بتهم ملفقة. عدد القضايا التي رفعت ضدي بلغت العشرة، كلها قضايا زائفة ضدي وضد عائلتي، وتحملت ساعات لا حصر لها من الاستجواب وأيام داخل وخارج قاعات المحكمة. مع تفكيك استقلال القضاء، لم يعد يوجد معارض في مأمن من الاعتقال.

عملت شخصيات وأحزاب المعارضة والمجتمع المدني بلا كلل خلال الأشهر القليلة الماضية لبناء حلول ملموسة للأزمة الحالية. سياسياً، تضمنت هذه المقترحات مقترحات لاستعادة المؤسسات الديمقراطية الشرعية التي تم حلها أو تقويضها، ومقترحات لتعديل دستور 2014 للتعامل مع بعض نواقصه، وتمكين المحكمة الدستورية من إيقاف أي شخص لديه الميول اليوتوقراطية من اساءة استخدام دستورنا مرة أخرى. وفي مجال الاقتصاد، طور خبراء من المعارضة برنامج إصلاح يمكن تنفيذه من قبل حكومة جديدة تكون أولويتها الرئيسية إنقاذ البلاد من الانهيار.

بما أن خريطة الطريق المقترحة للإجراءات العملية على وشك أن تُعرض على الجمهور، فقد استهدفت جولة جديدة من الاعتقالات القادة السياسيين المعنيين. قيس سعيد عازم على تعطيل أي طريق للمضي قدمًا وتدمير أي بدائل محتملة للنظام الاستبدادي الذي يبنيه.

نرى نتائج هذه الأزمة تتطور كل يوم في تونس. بدأ شعور باليأس الجماعي يدفع آلاف التونسيين كل شهر لمحاولة عبور البحر الأبيض المتوسط ​​بشكل غير قانوني إلى أوروبا، مما يؤدي إلى خسارة مأساوية في الأرواح. تعليقات سعيد المقيتة والمُنقلة على نطاق واسع حول المهاجرين الأفارقة السود، وأيديولوجية “الاستبدال العظيم” التي روج لها، لم تؤد إلا إلى زيادة اليأس. لكن الأكثر مأساوية، هو أن الرئيس الذي وصل هو نفسه إلى السلطة من خلال عملية ديمقراطية حرة يسعى الآن إلى تدميرها.

يدرك الشعب التونسي الآن أن خطاب قيس سعيد التحريضي لا يقدم أي حلول. في الانتخابات الأخيرة لبرلمان بوتيمكين، شارك 8.8 في المائة فقط من الناخبين. منذ الانقلاب، أصبح من الواضح جدًا أن سعيد ليس فقط لم يعد قادرا على توفير الاستقرار للبلاد، بل أصبح أيضًا أحد المصادر الرئيسية لمشاكل البلاد.

إن تقديم الأزمة في تونس على أنها أزمة اقتصادية فقط يمكن حلها بالقروض الخارجية لن يؤدي إلى الاستقرار. الطريقة الوحيدة لإنقاذ تونس هي الانخراط في حوار وطني يشمل جميع الفاعلين الاجتماعيين والسياسيين. لقد فعلنا ذلك من قبل، في عام 2013، حصلت منظمات المجتمع المدني التونسية التي قادت الحوار في ذلك الوقت، وأعادت البلاد إلى انتخابات حرة ونزيهة، على جائزة نوبل للسلام لعام 2015.

إن إعادة بناء الإجماع من خلال الحوار هو السبيل الوحيد لإنهاء الأزمة الحالية. نجاح تونس ليس مهمًا فقط للتونسيين، فوجود نموذج ناجح مبني على كل من الحكم الرشيد والازدهار الاقتصادي من شأنه أن يهزم بشكل فعال الخطاب المتطرف الذي يروج لصدام الحضارات بين الإسلام والديمقراطية الغربية، وبين الإسلام وحقوق الإنسان.

أنا واثق من أن التونسيين سيعارضون سلميا الديكتاتورية مرة أخرى ويعيدون بناء نظامهم الديمقراطي. لكن هذه المرة، يجب عليهم أيضًا وضع ضمانات حتى لا نعود إلى الماضي. عندما ننجح في هذا المسعى، ستظهر تونس مرة أخرى في الأخبار في جميع أنحاء العالم للأسباب الصحيحة: كمثال ونموذج لدولة إسلامية ديمقراطية، وليس كدولة تتجه نحو الانهيار والفشل الاقتصادي.

في الوقت الذي تعود فيه الأنظمة الاستبدادية إلى جميع أنحاء العالم، آمل أن أرى مستقبلًا لشعبنا يغذي إمكانات مواطنيها الخالية من الاستبداد.