روجت عدة وسائل إعلام عربية ودولية في الآونة الأخيرة معلومات غير مؤكدة وغير منسوبة لمصدر محدد مفادها أن أربع دول عربية هي قطر والكويت والمغرب والسودان (وفي رواية أخرى خمس دول بإضافة مصر) ما تزال تعارض استعادة النظام السوري لمقعده في جامعة الدول العربية خلال القمة المزمع انعقادها في العاصمة السعودية الرياض يوم 19 مايو 2023.
وحسب ما ورد في تلك المعلومات، التي صيغت بأسلوب منتقد للدول المنسوب إليها الاعتراض على عودة الأسد، فإن سببه يكمن في أن المعطيات التي أدت إلى طرد سوريا من الجامعة ما تزال قائمة رغم انحسار مواجهات الحرب الأهلية التي مزقت البلاد منذ اندلاع ثورات الربيع العربي واحتجاجاته سنة 2011، ورغم استعادة النظام في دمشق لسيطرته على أجزاء واسعة من التراب السوري، وخاصة غرب نهر الفرات.
والملاحظ أنه باستثناء قطر التي لديها موقف واضح ومعلن من نظام الرئيس بشار الأسد ومطالبتها بضرورة تقيده بما هو مطلوب منه عربيا في قرارات عديدة، وتطبيق ما هو ملتزم به بموجب قرارات الأمم المتحدة، وخاصة قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، فإن بقية الدول المذكورة في خانة المعترضين لم يصدر عنها رسميا وعلنيا ما يفيد اعتراضها على المحاولات الرامية إلى تأمين هذه العودة في قمة الرياض بعد أن فشلت الجزائر في تحقيق ذلك خلال استضافتها للقمة السابقة، علما بأن أسباب الفشل الجزائري في السنة الماضية تعود في معظمها إلى قيادة السعودية لتيار عربي مؤثر عارض آنذاك الرغبة الجزائرية.
لهذا، وفي سياق ما يجري حاليا من اتصالات ومشاورات بشأن هذا الموضوع، فإن التساؤل المنطقي الواجب طرحه لا ينبغي أن ينصب على مبررات مواقف الدول المعترضة المذكورة، وإنما على الدوافع التي أملت فتح هذا الملف مجددا وبشكل مكثف، وما هي الغايات الكامنة وراء إعادة الرياض النظر في موقفها السابق من النظام السوري، وإصرارها على تمرير قرار عودته إلى جامعة الدول العربية رغم أنه لم يف بمعظم ما هو مطلوب منه، وأن سيف العقوبات الدولية ما زال مسلطا عليه، وخصوصا العقوبات الأوروبية والأمريكية التي من الممكن الاصطدام معها.
في غياب معلومات دقيقة من الصعوبة الوصول إلى أجوبة حاسمة عن هذه التساؤلات، لذلك يطرح المراقبون عدة فرضيات من شأنها توضيح الصورة بشكل أفضل يمكن إيجازها فيما يلي:
*إثبات قوة الدور السعودي في المنطقة، والساعي إلى توظيف القضايا الإقليمية ضمن آليات إنجاز رؤيته التنموية المحلية الشاملة، وتحقيق ما يرومه من تطلعات عالمية.
*منافسة القوى الإقليمية الأخرى غير العربية الناشطة على الساحة السورية، والتي تتضارب مصالحها ومواقفها من مستقبل سوريا والنظام الحاكم فيها بين من يقاوم من أجل إبقاء الأسد تحت وصايته وتأمين استمرار نفوذه الكبير هناك، ومن يسعى إلى مصالحته لاستخدام تلك المصالحة كورقة في لعبته الانتخابية، ومن يواصل مهاجمة سوريا إمعانا في إذلالها، وكشف فراغ الخطاب الإعلامي لداعميها.
*البحث عن ضمان موطئ قدم متميز في مشاريع إعادة إعمار سوريا عندما يحين موعد هذا الإعمار، ومزاحمة قوى إقليمية عربية وغير عربية أخرى يبدو أن هذا العامل كان من الدوافع الرئيسية لانفتاحها على دمشق منذ مدة، لاسيما وأن الرياض لم تعد تخفي رغبتها أيضا في تولي الريادة الاقتصادية للمنطقة أيضا، كما يستشف من ضخامة استثماراتها المعلنة مؤخرا في كل من العراق والبحرين ومصر والسودان وسلطنة عمان، ناهيك عن تبني سياسة جديدة للمساعدات لا علاقة لها بسياسة “الشيكات الموقعة على بياض”التي كانت معروفة عنها.
فهل تنجح الرياض في مساعيها هذه؟
يبدو أن الأمر غير هين كما يستنتج من معلومات تسربت عن الاجتماع الذي احتضنته العاصمة الأردنية عمان يوم فاتح مايو الجاري بين وزراء خارجية الأردن والسعودية ومصر والعراق وسوريا، جاء فيها أن الوفد السوري أصر على إتمام عودة بلاده إلى مقعدها بالجامعة العربية دون قيد أو شرط، رافضا الحديث عن:
*ضرورة إيجاد تسوية سياسية تحفظ الوحدة الترابية للبلاد، وتضمن سيادتها، وتحقق المصالحة الوطنية بما يساعد على تأمين خروج القوات الأجنبية من الأراضي السورية. فدمشق ترفض مساواتها بالقوى الداخلية المنتفضة ضدها، كما تفرق في الوجود الأجنبي على أراضيها بين الشرعي القادم بطلب منها، وغير الشرعي.
*أولوية التقيد بمجموعة خطوات وأهمية إنجازها بشكل متدرج لمعالجة تبعات الأزمة السورية الإنسانية والسياسية والأمنية، وربط كل ذلك بقرار مجلس الأمن 2254.
ورغم ذلك، فإن الرياض لا تبدو في وارد التخلي عما تبحث عنه في هذا الملف، واتضح هذا من خلال إسراع وزير خارجيتها إلى إجراء عدة اتصالات مع نظراء له في المنطقة بمجرد انفضاض اجتماع عمان أبرزها كان مع وزير الخارجية الكويتي، خاصة وأن المملكة العربية السعودية تدرك بأن عواصم أخرى منفتحة على النظام السوري لن تستسيغ عودته للجامعة العربية من بوابة الرياض والتي كانت قد رفضت عودته من بوابات تلك العواصم.
وبغض النظر عما إذا كانت سوريا ستعود إلى النظام الإقليمي العربي الرسمي في القمة المقبلة أم لا، فمن المؤكد في سياق التطورات الجارية، وفي تنصيص اجتماع عمان على أن هذا مجرد حلقة في سلسلة من لقاءات أخرى تكشف حيوية غير معهودة قد دبت في أوصال الجسم العربي في الحقبة الأخيرة. فهل ستكون هذه المرة حيوية صحية أم مجرد نزلة برد معتادة؟