أعلنت رئيسة بلدية مدينة برشلونة آدا كولاو نهاية الاتفاق التعاوني بينها وبين دولة إسرائيل، وبهذا تم وقف العلاقات بين الطرفين. وذلك بفضل إحدى أقوى الحملات في أوروبا وفي العالم بأسره، لمواجهة نظام الفصل العنصري ضد الشعب الفلسطيني.
قادت هذه الحملة أكثر من مئة منظمة تنتمي للمجتمع المدني الكتالوني، وكان هدفها مطالبة حكومة مدينة برشلونة بوقف علاقاتها الاقتصادية والدبلوماسية مع دولة إسرائيل، وإظهار التضامن مع القضية الفلسطينية. حدث هذا في أقل من شهرين، ولم تحقق الحملة عدد التوقيعات المطلوبة فقط، بل حققت أكثر من ألف تواقيع إضافية.
وأخيراً، أصبح موضوع فلسطين مطروحا لأول مرة على الطاولة في القارة الأوروبية، حيث عملت الجالية الفلسطينية، من دون ملل على الدفاع عن حقوقها، وحيث نجد أيضاً أعضاء في البرلمان الأوروبي يدينون إسرائيل بسبب نظامها العنصري. بالتالي، لقد أصبحت كتالونيا منطقة متميزة في ما يخص دعم القضية الفلسطينية ورفض الاحتلال. ومع ذلك، فإن الأمور لم تكن دائماً على هذا النحو.
يعد صلاح جمال مؤسس جمعية الجالية الفلسطينية في كتالونيا، وهو كذلك كاتب فلسطيني، يتذكر هجرته إلى مدينة برشلونة قبل حوالي 50 سنة. وفي ذلك الوقت لا أحد كان يعرف شيئا عن القضية الفلسطينية، ولا حتى عن الموقع الجغرافي لفلسطين.
في الحقيقة، عندما وصل الدكتور جمال إلى كتالونيا، كانت النخبة المثقفة الكتالونية التي كانت تحمل اسم Ateneu Barcelonésــ متعاطفة مع الصهيونية، إذ كانت لديهم الفكرة بأن الشعب اليهودي حافظ على لغته، مثل اللغة الكتالونية هنا، وأنشأ دولته الخاصة بعد أكثر من 3000 عام، وهم كذلك يطمحون لولتهم الخاصة.
استمر الموقف السياسي في كتالونيا على هذا النحو حتى قبل 4 سنوات تقريباً، عندما أعلن الرئيس الكتالوني السابق كارلس بوتشدمون عن دعمه لدولة إسرائيل في يومها الوطني، المعروف عند الفلسطينيين باسم «يوم النكبة»، ولكن الدعم الشعبي لفلسطين غيّر من ذلك الموقف بشكل تدريجي، والآن يقر الناشطون الداعمون لفلسطين في برشلونة بأن جل الناس الذين تم أخذ آرائهم لتوقيع عريضة الحملة، كانوا متحمسين لفعل ذلك، وكلهم أرادوا الدفاع عن القضية الفلسطينية. بفضل هذه التحركات داخل النسيج الاجتماعي الكتالاني، وقع أيضاً تغيّر في الموقف السياسي، ما سمح بإدانة البرلمان الكتلاني لإسرائيل، والآن بوقف العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية بين برشلونة ودولة إسرائيل، وذلك بموجب اتفاق تعاوني وقع عام 1998.
وقد تعتبر هذه المبادرة معادية للسامية عند البعض، ولكن الأمر ليس كذلك في كتالونيا، التي توجد فيها واحدة من منظمات يهود فلسطين في أوروبا وهي، جمعية كتالونية تضم يهودا وفلسطينيين، وفي الواقع، إنها من الجمعيات الكتالونية التي كانت وراء الحملة لوقف علاقات كتالونيا مع دولة إسرائيل. وفي بيانها قالت: «نحن، الأعضاء اليهود في الجمعية، واثقون من أن هذا ليس صراعاً بين شعبين أو ديانتين، بل هو حول استعمار المستوطنات والاحتلال العسكري.
ولهذا السبب لا نعترف بحق الدولة الصهيونية في التحدث نيابة عنا، ولا نيابة عن الأشخاص الذين يعتبرون يهوداً». وعلى الرغم من أن لوران كوهين، وهو عضو يهودي في الجمعية، ولد في فرنسا، إلا أنه يهودي من أصل مصري، وبالتالي فهو عربي.
قررت عائلته الخروج من مصر بسبب التوتر الناشئ عن إقامة دولة إسرائيل. وبالنسبة له «تاريخيا عاشت الجالية المسلمة واليهودية دائماً في سلام تام، حتى إنشاء دولة إسرائيل، وعاش اليهود مع المسلمين بشكل أفضل بكثير من عيشهم مع المسيحيين في أوروبا». فقد أنشأ هو وأعضاء آخرين الجمعية في برشلونة، وحتى لو كان دورها صغيرا، فإن لوران يقول بأنها تساهم بشكل فعال في برشلونة، حيث أصبحت القضية الفلسطينية تحظي باهتمام أكبر. ولكن يمكننا ربط وتفسير الدعم الكتالوني لفلسطين بالتاريخ الكفاحي لهذا الإقليم، إذ قالت لنا أليس سامسن، وهي عضو نشيطة في الحملة في برشلونة، «ليس مستغربا هذا الدعم لفلسطين»، وتضيف «بل كتالونيا هي المكان المناسب، حيث للصراعات الاجتماعية مكانة خاصة، وفلسطين هي جزء من الحركة التقدمية المناهضة للاستعمار».
يعتبر إعلان بلدية برشلونة وقف العلاقات مع إسرائيل نقطة مُميزة في أوروبا، وقد كان من المقرر أن تصوت الأحزاب السياسية يوم 24 في فبراير، ولكن رئيسة البلدية آدا كولاو قررت، وقف العلاقات قبل ذلك، على الرغم من التداعيات المحتملة من اللوبي الصهيوني الذي حاول إفشال هذه الحملة. وبهذا أصبحت آدا كولاو أول رئيسة بلدية من الأحزاب التقدمية في أوروبا، وفي العالم كله تقوم بمثل هذا العمل، وهذا لقب حصلت عليه بفضل سياساتها في مجال حقوق الإنسان. وفي الواقع، اكتسبت سياسات آدا كولاو الاجتماعية في مجال الإسكان، اعترافا دوليا بفوزها بجائزة الأمم المتحدة، وأسفرت طريقتها العامة في تدبير شؤون المدينة على اختيار مدينة برشلونة كأول عاصمة أوروبية للديمقراطية.
ويقول فلسطينيون يسكنون في كتالونيا مثل صلاح جمال، إن مناسبات كهذه تلهمهم الاستمرارية في العمل من أجل الدفاع عن القضية الفلسطينية.. وإنهم سعداء لرؤية كيف تحققت أمانيهم وتطلعاتهم، وبهذا أصبحت كتالونيا مرجعا في العالم في مسألة التضامن مع فلسطين.