في الرابع من سبتمبر الحالي، نشر موقع “تايمز أوف إسرايل”، مقالا مطولا تحت عنوان”حليف غير محتمل: كيف يمكن لعمران خان تشكيل العلاقات الإسرائيلية الباكستانية”، لكاتبته “أينور باشيروفا”، والتي تقدم نفسها كاتبة مختصة في عدد من المجالات على رأسها الأمن، الدفاع، ومنطقة الشرق الأوسط ومناطق ما بعد الاتحاد السوفييتي، إضافة إلى تخصصها في مجال الدراسات المعاصرة في معاداة السامية.
كان هذا المقال سيمر مرور الكرام، ويحسب كمقال تحليلي عادي، لكن خلفية نشره، والخط التحريري لصحيفة “تايمز أوف إسراييل”، يدفع نحو تأمل، بل تمعن السطور، وما خلف السطور في المقال الذي نشرته كاتبته والتي تتخذ من بروكسيل مقرا لإقامتها، لا بد من أن يلفت انتباه كل مهتم بالشؤون الإسرائيلية، وأن يطرح السؤال التالي:”لماذا تراهن إسرائيل على عمران خان في تحقيق حلم التطبيع الإسرائيلي الباكستاني؟”، و”لماذا يتم التعتيم على حملات الدعم الإسرائيلية الإعلامية المفضوحة من أجل إطلاق سراح عمران خان وتمكينه من خوض الانتخابات القادمة باعتباره رجل إسرائيل في باكستان؟”.
تبدأ أينور باشيروفا مقالها كالاتي:
“لطالما كانت باكستان واحدة من أقوى مؤيدي القضية الفلسطينية، ويمكن القول إنها أكثر من العديد من البلدان الأخرى ذات الأغلبية المسلمة. هذا الموقف متجذر بعمق في هوية باكستان كجمهورية إسلامية والتزامها الأوسع تجاه الأمة، أو المجتمع الإسلامي العالمي. ينظر تاريخيا إلى فكرة الاعتراف بإسرائيل على أنها متناقضة مع هذه الهوية، لا سيما بالنظر إلى الروابط الأساسية للبلاد بالعالم الإسلامي الأكبر.
الموقف المؤيد للفلسطينيين ليس سياسيا فحسب، بل هو أيضا متأصل بعمق في المجتمع الباكستاني والرأي العام. ينعكس هذا في السياسات المتسقة للحكومات الباكستانية المتعاقبة، والتي تضمنت إدانات صريحة لأفعال إسرائيل في الأراضي الفلسطينية، ورفض الدخول في العلاقات الدبلوماسية، ودعم الدولة الفلسطينية في المنتديات الدولية مثل الأمم المتحدة”.
وبعد أن تسهب في الحديث عن موقف باكستان المتشدد والداعم للقضية الفلسطينية، نجدها تحاول إيجاد السبب الذي يدفع بلدا مسلما، غير عربي، إلى مؤازة فلسطين مثلما تفعل مثلا إيران، ولا تفعل تركيا، فتقول:”ترجع شدة مشاعر باكستان المعادية لإسرائيل إلى تأسيسها في عام 1947، حيث سعت خلالها إلى ترسيخ نفسها كزعيم للعالم الإسلامي، والتحالف مع الدول الإسلامية الأخرى التي عارضت إنشاء إسرائيل. تم تعزيز هذا التحالف بشكل أكبر من خلال عضوية باكستان في منظمة التعاون الإسلامي والكتل الإسلامية الأخرى، حيث ظلت القضية الفلسطينية قضية مركزية.
وبعد هذه المقدمة، تفتتح الكاتبة فقرات مقالها عن عمران خان بفقرة تحت عنوان”موقف عمران خان العام والحسابات الاستراتيجية”
وجاء فيها أنه خلال فترة توليه منصب رئيس الوزراء، حافظ عمران خان علنا على دعم باكستان التقليدي للقضية الفلسطينية. أدان الإجراءات الإسرائيلية في غزة، وأعرب عن دعمه للحقوق الفلسطينية، ورفض فكرة تطبيع العلاقات مع إسرائيل طالما ظلت القضية الفلسطينية دون حل. كانت هذه المواقف متسقة مع كل من التوقعات المحلية والسياسة الخارجية الباكستانية طويلة الأمد.
ومع ذلك، تستطرد الكاتبة، وتقول:”ومع ذلك، تميزت فترة ولاية عمران خان بنهج عملي في العلاقات الخارجية، راوحت بين عمل متوازن بين الخطاب العام، وبين الدبلوماسية وراء الكواليس. تتجلى براغماتية خان في مناوراته الأوسع نطاقا في السياسة الخارجية، حيث سعى إلى تعزيز العلاقات مع كل من الحلفاء التقليديين مثل الصين، والمملكة العربية السعودية، وفتح قنوات مع الخصوم عندما تناسب مصالح باكستان.”
وتقول صراحة إن ما يقوله عمران خان في خطاباته العامة هو فقط من أجل إرضاء الشعب، وإسكات الجماعات الدينية، وأنه في الكواليس يفصح خان عن مشاعره غير المعادية لإسرائيل، إذ تقول:”يشير هذا النهج إلى أن خان ربما كان أكثر انفتاحا على إعادة تقييم موقف باكستان من إسرائيل ، أكثر بكثير مما تشير إليه تصريحاته العامة”.
في الفقرة الثانية من المقال، تختارها الكاتبة من أجل الحديث عن القرب، والتقارب، وحتى القرابة التي تجمع عمران خان بعائلة عائلة جولدسميث اليهودية، إذ تقول:
“علاقة عمران خان الوثيقة بعائلة جولدسميث، وخاصة زوجته السابقة جيميما جولدسميث، موثقة جيدا وتلعب دورا هاما في فهم تحوله المحتمل في موقفه تجاه إسرائيل. فعائلة جولدسميث هي جزء من النخبة البريطانية، حيث شارك زاك جولدسميث، شقيق جيميما، في السياسة البريطانية، بما في ذلك محاولته الحصول على عمدة لندن.
كان من الممكن أن توفر صلات زاك جولدسميث بالدوائر اليهودية والمؤيدة لإسرائيل في المملكة المتحدة، إلى جانب التأثير الأوسع للأسرة داخل دوائر النخبة الغربية، لغمران خان منظورا مختلفا عن إسرائيل. يؤكد دعم خان لزاك جولدسميث في انتخابات عمدة لندن، حتى ضد مرشح مسلم، صادق خان، على ولائه للعائلة وشبكتهم الأوسع، والتي دعمته بدورها في الماضي.
وهنا، تفضح الكاتبة تودد عمران خان للمسؤولين الإسرائيليين، إذ كتبت:”كانت هناك تقارير تشير إلى أن عمران خان أرسل رسائل إلى المسؤولين الإسرائيليين من خلال عائلة جولدسميث، مما يشير إلى استعداد محتمل للنظر في تطبيع العلاقات بين باكستان وإسرائيل، واستعداده لتعديل الخطاب الديني في باكستان. إذا كانت هذه التقارير دقيقة، فإنها تشير إلى مستوى من المرونة في نهج خان تجاه إسرائيل يتجاوز الموقف الباكستاني التقليدي”.
وترى في تودد خان للإسرائيلين على أنه:”الاستعداد المحتمل للتعامل مع إسرائيل على أنه خطوة استراتيجية لمواءمة السياسة الخارجية لباكستان مع الديناميات المتغيرة للشرق الأوسط.|”
في الفقرة الثالثة والتي عنونتها ب”إمكانية الوساطة والتحولات الإقليمية”، تقول الكاتبة:
“إن تعليم عمران خان الغربي وقدرته على التنقل بين المجالات الثقافية والسياسية المختلفة يضعه بشكل فريد كوسيط محتمل بين إسرائيل والدول الإسلامية. تميزت فترة ولايته كرئيس للوزراء بالجهود المبذولة لتحسين العلاقات مع اللاعبين الرئيسيين في الشرق الأوسط مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة – وكلاهما أظهر علامات على ارتفاع درجة حرارة العلاقات مع إسرائيل من خلال اتفاقات إبراهيم، وجهود التطبيع الأخرى”.
هذا يظهر أن هناك تيارا في إسرائيل يرى في أن اتفاقيات أبراهام، والوعود بالتطبيع الإسرائيلي السعودي، سوف يعبد الطريق نحو محاصرة إيران من خلال التطبيع الإسرائيلي مع واحد من البلدان الإسلامية الكبرى، وأن عمران خان بسبب قربه من عائلة جولدسميث، ومن النخب الغربية، ليس مرشحا فقط لتحقيق التطبيع الباكستاني مع إسرائيل، بل أيضا ليقوم بما وصفته الكاتبة ب” أن تسمح قدرة خان على سد الفجوات بين الغرب والعالم الإسلامي نظريا بلعب دور مماثل في العلاقات الإسرائيلية الباكستانية، في حالة عاد إلى السلطة. وأيضا، يمكن الاستفادة من علاقاته الشخصية ونظرته الاستراتيجية للتوسط بين إسرائيل والبلدان الأخرى ذات الأغلبية المسلمة، مما يساهم في إعادة تنظيم إقليمي أوسع”.
لا تنكر الكاتبية بأن “أي محاولة من قبل خان لتحويل موقف باكستان من إسرائيل ستكون محفوفة بالتحديات. يتأثر المشهد السياسي في باكستان بشدة بالمنظمات الدينية، التي يحمل الكثير منها مشاعر قوية معادية لإسرائيل. كما يعارض الرأي العام بأغلبية ساحقة الاعتراف بإسرائيل، ومن المرجح أن يواجه أي تحرك نحو التطبيع رد فعل عنيف كبير من قبل الشعب، والزعماء الدينيين”، لكنها ترى أنه “أظهر خان سابقا استعدادا لتحدي الوضع الراهن، لا سيما في مجالات مثل إصلاح التعليم وحقوق المرأة، حيث واجه منظمات دينية قوية”، وأن هذا ممكن فقط إن تم توفير الشرط الذي يجعل عمران خان يقوم بدور رجل إسرائيل في باكستان، ورجل الغرب في المنطقة الإسلامية، وهو:”أنه قد يكون على استعداد لاتخاذ نهج أكثر دقة تجاه إسرائيل في حالة اعتقد أن هذا التوجه يمكن أن يخدم المصالح الاستراتيجية الأوسع لباكستان.”
في الفقرة الأخيرة من مقال الرهان على عمران خان كرجل التطبيع، والذي عنونته ب”التكهنات في الشرق الأوسط سريع التغير”، تقول الكاتبية:
“أظهر تطبيع العلاقات بين إسرائيل والعديد من الدول العربية أنه يمكن التغلب على الأعمال العدائية طويلة الأمد من خلال الدبلوماسية البراغماتية. تشير هذه التطورات إلى أن البلدان الأخرى ذات الأغلبية المسلمة، بما في ذلك باكستان، يمكن أن تعيد تقييم مواقفها من إسرائيل في المستقبل”.
ولا ترى فقط الدبلوماسية البرغماتية هي الطريق الذي سيعبد الالتواءات بين باكستان، وإسرائيل، بل تراهن على التغيران التي تعرفها منطقة الشرق الأوسط، وما تحمله مما أسمته ب “التحالفات متغيرة والمصالح الاقتصادية والتهديد المشترك للتطرف”، إذ تقول:”في هذا السياق، يقوم دور عمران خان المحتمل في تشكيل العلاقات الباكستانية الإسرائيلية كتذكير بأن الدبلوماسية غالبا ما تنطوي على تفكير غير تقليدي، وتحالفات غير متوقعة…مع استمرار تطور المنطقة، قد تتكيف السياسة الخارجية الباكستانية أيضا بطرق لم يكن من الممكن تصورها في السابق، مما قد يفتح الباب أمام حقبة جديدة من العلاقات بين إسرائيل، والعالم الإسلامي الأوسع”.
السؤال الذي يطرح نفسه الان هو:”هل المجتمع الباكستاني المناهض للتطبيع الإسرائيلي الباكستاني يعلم بما يحاك خلف الكواليس مع عمران خان؟ وإن كان يعلم، هل سيحرك ساكنا، أم سيستسلم بدوره لرياح التطبيع التي ضربت المنطقة العربية ولو على حساب ليس فقط القضية الفلسطينية، بل مصالحها الاستيراتيجية هي نفسها؟”.