لم تكن زلة لسان..”وهبي” رسول “الاستبداد الجديد”

زل لسان وزير العدل المغربي عبد اللطيف وهبي وأمين حزب الأصالة والمعاصرة، ورد على سؤال صحفي عن نجاح ابنه في امتحان المحاماة قائلا:”ولدي باه لاباس عليه، خلص عليه، وقراه في لخاريج” (ابني والده غني، تكلف بمصاريف دراسته بخارج المغرب)،  فتحول رده إلى “قضية رأي عام”.

لكن، مهلا، هل فعلا ما قاله وزير العدل المغربي كان زلة لسان؟

أم أنه كان يعبر عن وصول “الترامبية” إلى المغرب؟

أم أن الأمر أعمق من كل هذا، وذاك، وأن عبد اللطيف ما هو إلا مصاب ب”عدوى الاستبداد الجديد”، التي تضرب وزارة العدل في عدد من الدول التي كانت تتباهى  بالديمقراطية، مثل إسرائيل، والبرازيل، وقبلهما الولايات المتحدة؟

قبل السادس من يناير لسنة 2021 والذي سيظل يوما أسود في الديمقراطية الأمريكية، خرج ترامب إلى أنصاره الذين كانوا قد تجمعوا بالقرب من مبنى الكابيتول رافعين شعار “أنقذوا أمريكا”، وخطب فيهم مشككا في الانتخابات، مدعيا أنه تمت عرقلة أنصاره عن الإدلاء بأصواتهم لصالحه.

طالب ترامب نائبه بأن يوقف عملية فرز الأصوات الانتخابية التي تتم بمبنى الكونغرس منعا لإعلان جو بايدن الرئيس الخليفة، لكن النائب لم يستجب، واستمرت عملية فرز الأصوات لتفاجأ أمريكا، والعالم، باقتحام مبنى الكابيتول من قبل أنصار ترامب في محاولة لمنع العملية الديمقراطية لانتخاب الرئيس الجديد بالعنف، والقوة.

سنة 2023 وفي الثامن من يناير، ستعيش واحدة من أكبر الديمقراطيات في أمريكا اللاتينية نفس الفيلم الترامبي.

كان لولا دا سيلفيا يحتفل مع أنصاره بالفوز بالانتخابات الرئاسية بعد التغلب على منافسه جايير بولسونارو بفارق ضئيل. لكن هذا الأخير لم يتقبل النتيجة، فأمر أتباعه بإفساد حفل تعيين الرئيس مدعيا أن الانتخابات تم تزويرها، ولم يكن بولسونارو وحده من غضب، ولم يكتف بالاعتراض.

أندرسون توريس وزير العدل في حكومة بولسونارو، متهم بالتواطؤ مع المتمردين، واستعمال نفوذه من أجل جعل الشرطة تتغاضى عن عملية اقتحام حفل الرئيس الجديد.

فر بولسونارو إلى الولايات المتحدة، كذلك فعل وزير عدله، لكنه قام لاحقا بتسليم نفسه ليتم اعتقاله في المطار من أجل محاكمته بتهم عديدة منها مسودة بيان الطوارئ التي وجدت في منزله والتي تتضمن خطة للانقلاب على الرئيس الجديد، واستعادة الكرسي، ومنها سيطرة الحكومة الفيدرالية على المحكمة العليا، من أجل السيطرة على الانتخابات.

المحكمة العليا، هي المطلب الأول لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. إسرائيل، الدولة التي طالما روجت لنفسها بأنها الديمقراطية الوحيدة في منطقة الشرق الأوسط، يحاول نتينياهو وأنصاره الاستيلاء على المحكمة العليا، وتحويلها إلى هيئة تابعة للسياسيين، يتحكمون فيها، ولا تتحكم فيهم.

لا يحاول نتنياهو فقط النفاذ بجلده من متابعته القضائية على تهم الفساد التي تحيط به، لكنه يسعى من خلال وضع يده على المحكمة العليا، والتحكم في تعيين رئيسها، بل حتى في اختيار المستشارين القانونيين، وفي وزارة العدل، يسعى إلى ان يتحول إلى “ملك إسرائيل”، ولتذهب الديمقراطية إلى الجحيم.

عبد اللطيف وهبي، يبدو مجرد تلميذ مبتدئ في مدرسة “المستبدون الجدد”، لكن كل شيء يكون في بدايته صغيرا. كذلك كان ترامب، وقبله الإيطالي سيلفيو برلسكوني.

كان سيلفيو برلسكوني طارئا على الحياة السياسية الإيطالية، قادما من عالم الأعمال، والمال، والإعلام، وكرة القدم، قدم في منتصف التسعينات شكلا جديدا من أشكال السياسة، وهو “استعراض الثروة، والبذخ، والتفاخر” تماما مثلما فعل وزير العدل المغربي عبد اللطيف وهبي، حين استغل ابنه ليتفاخر بثروته.

سيلفيو برلسكوني كان زعيم حزب “إيطاليا القوية”، قوبل بالسخرية في الأوساط السياسية، ليفاجأوا به زعيما لإيطاليا ولأكثر من عشر سنوات، ودائما عبر العملية الديمقراطية.

دونالد ترامب، أيضا قابلته النخب التقليدية بالسخرية منه كطارئ على السياسة، قادم من عالم الأعمال، دون أن ينتبه الساخرون أنه يقدم نموذجا جديدا من الشخصية السياسية التي تتفاخر بثروتها، وتحتقر من هو أدنى منها، بل هي تحتقر ما يسمى ب “الشعب”، بل حتى إنها غاضبة من “الاستبليشمنت” نفسه، وأكثر من هذا، كل هؤلاء من برلسكوني إلى وهبي يبحثون عن أضواء الإعلام، لكن في نفس الوقت يعتبرون الإعلام عدوهم، وهو ما يفسر لماذا برر وهبي ردة فعله تلك قائلا:”لقد استفزني صحفي”.

ترامب، وبولسونارو، يكرهان السوشل ميديا، كذلك يفعل وهبي الذي ما فتئ يكرر في كل خرجة له أنه يحاول إقناع “صناع القرار الحقيقيين” في البلاد بجدوى القانون الجنائي في التحكم في الشبكات الاجتماعية.

يبدو جليا أن عبد اللطيف وهبي تلميذ نجيب للشعبوية، والترامبية، والبولسانورية، وربما هو في طور تأسيس حركة “الوهبية” في المغرب.

المغرب ليس بعد دولة ديمقراطية، لكنه يعتمد طرقا تعتبر جزءا من العملية الديمقراطية مثل الانتخابات. لا انتخابات بدون شعب، بدون جمهور، بدون قاعدة حزبية، وهذه الأحزاب تحصل على الدعم الحكومي من الدولة، أي من مال الشعب، هذا الشعب نفسه الذي استعلى عليه عبد اللطيف وهبي، وهو أمين عام حزب، وزير للعدل.

يستمر عبد اللطيف وهبي في منصبه يتلاسن مع الصحافيين، ويهدد المواطنين الرقميين على الشبكات الاجتماعية بالقمع، والمحاكمة، ودائما باسم القانون، وفي البرازيل عاد وزير العدل في حكومة جايير بولسونارو من ملجئه، وسلم نفسه، في انتظار أن يلحق به بولسونارو.

خرجت الصحافة البرازيلية، والصحافة الأمريكية المتخوفة من عودة ترامب، والصحافة الغربية، تندد بما فعله بولسونارو ووزير العدل، ودعت إلى عدم التسامح مع هذا “الإرهاب الداخلي”، وإلى العمل نشر الوعي في المجتمع البرازيلي بان العملية الديمقراطية ليست مجرد عملية تقنية، مطالبة بتطوير مفهوم الديمقراطية، ومنبهة إلى أن اليمين المتطرف في المجتمعات الغربية الديمقراطية يصعد بقوة، وأنه طور نفسه بما يجعل الديمقراطية مجرد خطاب تقليدي تردده نخب تقليدية عاجزة عن مسايرة قدرة السياسيين الجدد على استعراض الثروة والقوة، وتحقير الشعب، والدولة، وأن الخطير في هذا الوافد السياسي الجديد ليس في أنه يحمل لقب رئيس، بل يشغل منصب “وزير العدل”.

ليس المغرب بعد بمجتمع ديمقراطي، لكنه يتواجد في خارطة عالم يعيش ديمقراطية مأزومة فضحتها حرب روسيا أوكرانيا، وينبئ بأن المستقبل سيكون ل”الأنظمة الاستبدادية”، وهو ما يعني أن زلة لسان عبد اللطيف وهبي لم تكن مجرد زلة لسان…ولن تكون مجرد حالة معزولة، بل إن المجتمع السياسي المغربي بدأ يطبع مع الحركة “الوهبية” ويظهر ذلك جليا في الجلسة الافتتاحية للبرلمان التي تمت بحضور متهم بالفساد، ومحكوم بالسجن، إسمه”محمد بودريقة”، وللمفارقة، هو بدوره طارئ على السياسة، قادم من عالم المال، والأعمال، و…كرة القدم.

شامة درشول

مديرة MCA للتحليل والتخطيط الاستيراتيجي، باحثة في الإعلام القوة الناعمة والخدمات العسكرية غير المسلحة، خبيرة في الشؤون الإسرائيلية، محاضرة دولية في قضايا الإعلام، ضيفة على قنوات دولية لتحليل الخطاب الإعلامي والسياسي في المنطقة العربية.