لن يتفاجأ الجزائريون إذا تم الإعلان عن حكومة جديدة للرئيس تبون في القريب العاجل، بعدما حصل في آخر اجتماع مجلس وزراء، من توبيخ علني للكثير من الوزراء، عبّرت عنه برقية لوكالة الأنباء الرسمية بشكل أكثر وضوحا وهي تتكلم عن غضب الرئيس من أداء الحكومة وأغلبية وزرائها. وتعثرها في إنجاز المطلوب منها في الآجال المطلوبة، التي حددها الرئيس اعتمادا على أجندته الشخصية المرتبطة بعهدته الرئاسية، التي استهلك أكثر من نصفها، من دون أن يصل إلى وزراء يكون راضيا عنهم وعن أدائهم.
تغيير حكومي قد يكون جزئيا يمس الكثير من الوزارات، أو كليا وقد يمس رئيس الوزراء أيمن بن عبد الرحمن الوزير الأسبق للمالية نفسه، الذي طاله غضب الرئيس هذه المرة، هو الذي خلف عبد العزيز جراد في يوليو 2022 بعد مسار مهني مكتبي في قطاع البنوك. لم يجعله يخرج من ثوب البيروقراطي الباهت الذي أكده البرتوكول الرسمي وهو يمنعه من الظهور على التلفزيون عند ترؤسه اجتماعات مجلس الحكومة، كما كان يحصل في السابق مع رؤساء وزراء كانوا أكثر حضورا على المستوى السياسي والإعلامي.
وزراء كثر ترشحهم الشائعات لمغادرة الحكومة، من أعضاء الحكومة الحالية، الذين يكون الرئيس غير راض عن أدائهم وعن بعض ممارساتهم، كما هو الحال مع وزير التجارة، الذي تهور ولم يفهم اللعبة، ما جعله يخلق بداية أزمة مع الهيئة البرلمانية، وهو يطلب من نائب سحب سؤاله في صيغة أغضبت المؤسسة التشريعية ورئيسها الهادئ.
الوزير (أستاذ اقتصاد) الذي قد يكون بالغ في فهم «التأييد» الذي وجده في السابق من رئيس الجمهورية، فزادت أخطاؤه التي تكاد تورط الرئيس والجزائر على أبواب شهر رمضان، الذي يتحول فيه تموين الأسواق من السلع الغذائية إلى تحد جدي، في وقت زادت فيه الأسعار وارتفع معدل التضخم، ناهيك عما حصل عندما بادرت الإدارة المحلية إلى هدم بيوت بعض الجزائريين الذين بنوها بشكل غير قانوني، ما جعل الرئيس ينبّه إلى خطورة هذا التصرف الذي يمنعه القانون في فصل الشتاء تحديدا، والذي يمكن أن يثير مشاكل للرئيس، هو ليس في حاجة إليها بالتأكيد.
كل المؤشرات إذن تخبرنا بأن مدة صلاحية هذه الحكومة في تشكيلتها الحالية، قد وصلت إلى آجالها، ما يعني الانطلاق في البحث عن وجوه أخرى تقبل بلعب الأدوار المطلوب تأديتها في النظام السياسي الجزائري. نظام سياسي يتبين بشكل واضح أنه لم يخرج من محطة الاضطراب التي انتابته منذ سنوات، كما كرستها فترة الحراك، بمنطقها السياسي المعروف التضحية بالوزراء وتبديلهم في أوقات قياسية، من دون محاسبتهم عن أدائهم. وضع قد يحول الجزائر على غرار بعض الدول العربية -أفكر في الأردن – إلى بلد «الوزراء السابقين.» .
في وقت شحت فيه مؤسسات إنتاجهم المعروفة عند النظام السياسي الجزائري القديم، ما يزيد حتما في إمكانيات الخطأ في الوصول إلى الوزير المطلوب ضمن منطق النظام السياسي المعروف، الذي كان يسمح بإنتاج وزير يعرفه الرئيس بشكل مباشر، أو بواسطة علاقاته التي يمكن أن تتدخل في اقتراح اسمه، اعتمادا على توليفة معروفة باحترامها لتوازنات جهوية ومؤسساتية وجندرية، تحولت مع الوقت إلى ماركة جزائرية مسجلة، يضمنه لمدة ثم يتخلى عنه تاركا أمر تدويره داخل مؤسسات الدولة إلى جهات أخرى، ليكون الأكثر حظا، الوزير السابق الذي ينتقل إلى سفارة في دولة أوروبية وأقلهم حظا ذلك الذي يطلب منه التوجه نحو مجلس الأمة لضمان وضع مريح في نهاية خدمته.
وضع غير ممكن بالنسبة لأغلبية الوزراء الحاليين، الذين لم يعد المواطن يعرف أسماءهم أو صورهم أو قطاع عملهم، مثل أي بيروقراطي أو تكنوقراطي محدود العلاقات، رغم التأهيل المهني والعلمي الحاصل عليه.
ليبقى المصدر الوحيد لقوة الوزير المؤقتة، الدعم الذي يمكن أن يجده من رئيس الجمهورية، الذي يظهر من خلال تجربة حكومة أيمن عبد الرحمن، أن هناك ضعفا كبيرا في «فهم» توجيهاته وتطبيقها على أرض الواقع، ما يجعل الوزير يتوجه رأسا نحو المبالغة، بل الشطط في تطبيق ما فهمه كابن نظام يعرف من تجربته السياسية المحدودة، أن رضا الرئيس هو العامل الوحيد الذي يضمن بقاءه في منصبه، من دون التأكد من أن ما فهمه هو المطلوب منه فعلا، بين أبناء ثقافة سياسية معروف عنها ضعف لغة التواصل، كما بينته مخرجات آخر اجتماع لمجلس الوزراء، وبرقية وكالة الأنباء الرسمية التي أبانت عن سوء تفاهم كبير بين الرئيس والحكومة والوزير، عادة ما يلجأ النظام السياسي إلى الإعلام الحكومي لسد فجوته، بعد حين، من دون نجاح كبير.
نتيجة ما يعتري النظام الإعلامي العمومي نفسه من قلة احترافية وانعدام الحرية، كما تبرزه لقاءات الرئيس الدورية مع هذا النوع من الإعلام. جعل الكثير من الجزائريين يتذكرون الأيام الخوالي عندما كان حزب جبهة التحرير ينظم لقاءات عديدة لشرح خطاب السيد الرئيس، الذي كان يعجز عن تبليغها للمواطنين والمسؤولين!
تعدد مصادر تجنيد الوزير وعدم وضوحها، التي ظهرت بعد تفكك مؤسسات النظام القديمة ـ بما فيها الأجهزة الأمنية والمخابراتية التي لم تعد تشتغل بالشكل القديم الذي تعودت عليه – يمكن أن نتصور أنها زادت في تعميق أزمة المشهد السياسي وهي تفرز وزراء لا يعرف عنهم صاحب القرار إلا القليل والعام جدا وصلت في بعض الأحيان إلى جنسيتهم الثانية المكتسبة التي يتم اكتشافها بعد التعيين، تتحول فرصة «اقتراحهم» للوصول إلى هذا المنصب إلى مجال للضغوط من كل نوع من قبل أشخاص وشلل غير رسمية على حساب المؤسسات الرسمية، تحولت إلى قوة ضاغطة ولوبيات في فرض رجالها ونسائها للوصول إلى هذا المنصب المهم، رغم كل علامات التدهور الذي لحقت به مع الوقت.
صورة لا نملك معطيات جدية تقول لنا إنها ستختفي عندما يصل الرئيس تبون إلى تعيين وزرائه الجدد في الحكومة المقبلة، التي ستستمر في العمل ضمن الضبابية المؤسساتية نفسها، المعروفة عن النظام السياسي الجزائري الهجين، والمفرط في رئاسيته وضعف أدوار أحزابه وبرلمانه، ما يجعل الشخص ممثلا في رئيس الجمهورية هو المؤسسة الوحيدة القابضة بزمام الأمور الى حين.