اجتماع تونس الثلاثي: تمخض الجبل..

استضافت تونس العاصمة يوم 23 أبريل 2024 أول اجتماع رسمي بين كل من الرئيس التونسي والرئيس الجزائري، ورئيس المجلس الرئاسي الليبي، والذي كان قد تقرر موعد انعقاده خلال أول لقاء لهم على هامش قمة الدول المنتجة والمصدرة للغاز، التي احتضنتها الجزائر العاصمة يوم 2 مارس 2024. وفيما لم ترشح أي معلومات مؤكدة عن مضمون ما دار في الاجتماعات المغلقة بين الرؤساء الثلاثة، فإن ما جاء في البيان الصادر في ختام لقائهم يشير إلى أنهم ما زالوا في طور التشاور والنقاش بشأن مستقبل هوية تجمعهم هذا، إذ حرصوا على اعتبار لقاء تونس اجتماعا تشاوريا فقط، خلافا لما حاولت إشاعته جهات إعلامية مقربة من النظامين التونسي والجزائري عن محور جديد للتعاون قيد التبلور على حساب احتضار اتحاد دول المغرب العربي.

ويعكس حرص الأطراف الثلاثة على تأكيد الطابع التشاوري لاجتماعهم غياب توافقهم حول طبيعة هذا التجمع، الذي اتفقوا فقط على انتظام لقاءاته بالتناوب بين عواصم بلدانهم كل ثلاثة أشهر، ولكن من دون رؤية واضحة لما ينبغي تدارسه مستقبلا، إذ تم الاكتفاء بالإعلان عن “نقطة اتصال” وفرق عمل قطاعية مشتركة لم يكشفوا عن كيفية تكوينها، ولا عن ماهية صلاحياتها ما عدا تكليفها بمتابعة تنفيذ ما جرى الاتفاق حوله تمهيدا للاجتماع التشاوري المقبل.

ورغم أن وزير الخارجية التونسي الذي استضافت بلاده الاجتماع حاول في الندوة الصحفية الختامية تحاشي الحديث عن وجود تباين بين الأطراف الثلاثة حول الطبيعة المستقبلية لهذا التجمع، فإن ما تبعه من تحركات دبلوماسية، وكذا فحوى البيان الختامي نفسه كشفت عن وجود إرهاصات أولية تفيد بأن اللقاء الثلاثي لن يتجاوز البعد التشاوري على الأقل في المدى المنظور، كما يتضح مما يلي:

*دبلوماسيا لوحظ إصرار الجانب الليبي على الإسراع في إطلاع كل من المغرب وموريتانيا على ما جرى من خلال رسائل مكتوبة وضعتها وسائل إعلام عديدة في سياق جهود تروم طرابلس من ورائها إعادة الحياة إلى جسد اتحاد دول المغرب العربي من أجل تحقيق تطلعات شعوب المنطقة للاستقرار والازدهار.

وحسب مصادر دبلوماسية عربية، فإن الجانب الليبي أبدى خلال لقاء تونس رفضا مطلقا لأي إشارة ولو بالتلميح في البيان الختامي إلى أن الأطراف الثلاثة تسعى لإحداث كيان إقليمي جديد، وذلك من منطلق حرص ليبيا على الحفاظ على علاقاتها الجيدة مع موريتانيا والمغرب، وخاصة مع هذا الأخير الذي يلعب دورا بناءا في مسلسل المصالحة الليبية.

*تركيز البيان الختامي على الانشغالات والمشاكل الآنية والصعبة للبلدان الثلاثة، ولكنه لم يطرح أي حلول عملية ومستعجلة لهذه الانشغالات والمشاكل، التي تتمثل أغلبها في تناسل الهواجس الأمنية الناجمة عن تفاقم ظاهرة الهجرة السرية من الأقطار الإفريقية جنوب الصحراء، وما تحمله في ثناياها من أخطار إجرامية وإرهابية. ومع ذلك فقد اكتفت الأطراف في بيانها الختامي بالتنصيص فقط على ضرورة توحيد المواقف والتشاور والتنسيق لحماية أمن الحدود المشتركة.

وانطلاقا من احتضان تونس لهذا اللقاء لم يكن مستغربا أن يتناول الرؤساء أيضا موضوع تردي الأوضاع الاقتصادية، وتدهور مستوى التجارة البينية الرسمية بين بلدانهم نتيجة إغلاق بعض المنافذ الحدودية البرية، وصرامة الإجراءات الجمركية، خاصة وأن هذه الوضعية غير السليمة شكلت بيئة مثالية لنمو وازدهار ظاهرة التهريب بكل أنواعها.

إن تحليل البيان الختامي لاجتماع تونس يبين بأن صياغته قد تمت بأسلوب عام وفضفاض، معبرا عن مواقف سياسية تخص الاهتمامات الخاصة بكل طرف، محاولا إيجاد نوع من التوازن بين أولويات كل واحد منهم، فضلا عن القضايا ذات الاهتمام المشترك التي لا خلاف بشأنها، والتي لا تأثير لموقف أي منهم في تطوراتها كما هو الشأن بالنسبة للقضية الفلسطينية.

والملاحظ أن الطابع العام للبيان الختامي، لم يمنع الأطراف الثلاثة من إبداء ارتياحهم لمجرد عقد اللقاء، كل لاعتبارات تخصه. فالجزائر حرصت وستحرص مستقبلا على انتظام انعقاده بغية توظيفه في أكثر من اتجاه أولها محاولاتها الحثيثة لإقصاء المغرب عن محيطه المغاربي، وثانيها كمنصة سياسية تسعى من خلالها إلى استعراض زعامتها الجهوية المزعومة، وثالثها كدليل من شأنه، كما تتوهم، أن يدحض ما يتداول عن عزلتها في المنطقة، التي ازدادت حدتها مع تدهور علاقاتها في الجنوب مع مالي والنيجر، وامتناع موريتانيا عن الالتحاق بهذا التجمع.

أما رئيس المجلس الرئاسي الليبي، الذي أبان، بإيفاده مبعوثين إلى المغرب وموريتانيا فور انتهاء القمة، عن إدراكه لنوايا الجزائر ومراميها من هذا التجمع، فإن حرصه على الحضور رغم محدودية تمثيليته لكل القوى الفاعلة في الساحة الليبية نابع من رغبته في انتزاع دعم جزائري وتونسي لوجهة نظره المتعارضة مع نظرة خصومه في شرق البلاد، وإدانة هؤلاء ضمنيا، وهو ما تأتى له من خلال تضمين البيان الختامي ما يؤكد على تمسك المجتمعين باستقلال القرار الوطني ورفض التدخل في

2 / 2

الشؤون الداخلية الليبية في إشارة إلى تدخلات أجنبية وعربية تراها سلطات طرابلس مزعجة ومساعدة على استمرار الأزمة، فيما تراقبها الجزائر بتوجس وريبة.

وإذا كانت نزعة الهيمنة هي التي حركت النظام الجزائري لإحداث هذا التجمع، والاعتبارات السياسية الداخلية الليبية هي التي أملت على مجلس الرئاسة الليبي المشاركة فيه، فإن دواعي النظام التونسي للإمساك بهذه الفرصة متعددة:

1/سياسيا: يجاري النظام التونسي نظيره الجزائري في مساعيه الطامحة إلى إقصاء المغرب عن عمقه الإقليمي لاعتبارات عديدة بعضها يخص شخصية الرئيس قيس سعيد نفسه، وما وصله من معلومات مغلوطة عن موقف مغربي غير ودي منه، فيما بعضها الآخر نتاج أوهام تولدت لدى بعض النخب التونسية مفادها أن المغرب يريد بقاء تونس في حالة عدم استقرار لأنه كان أكبر مستفيد استثماريا وسياحيا وفي مجال إنتاج الفوسفاط من التعثرات التي حصلت في تونس بعد ثورة الياسمين.

2/اقتصاديا: يأمل النظام التونسي في التخفيف من معاناته الاقتصادية وتردي الظروف المعيشية في البلاد من خلال السعي لإقامة مشاريع استثمارية كبرى، ومناطق تجارية وصناعية حرة مشتركة، وتنشيط التجارة البينية بين الدول الثلاث، وتسريع إجراءات تنقل الأشخاص والبضائع، وفتح المعابر الحدودية المغلقة مع ليبيا، وتأمين التزود بالتيار الكهربائي عبر تنفيذ مشروع ربط محطات كهرباء البلدان الثلاثة.

3/ أمنيا: سعى النظام التونسي من خلال البيان الختامي إلى دفع كل من الجزائر وليبيا إلى مساعدته في وقف تدفق المهاجرين السريين من دول جنوب الصحراء، خاصة وأن معظمهم يصل إلى تونس من خلال حدودها المشتركة مع البلدين. ولكنه لم يستطع أن ينتزع منهما أكثر من “تعميق التشاور وتبادل المعلومات حول ظاهرة الإرهاب والاتجار بالبشر لحماية المنطقة من هذه الآفات”.

وحسب بعض المراقبين، فإن موضوع الهجرة السرية المؤرق للنظام التونسي قد يكون كفيلا بتفجير هذا التجمع وهو ما يزال في مهده، ذلك لأن الجزائر ترفض اتخاذ أي إجراءات عملية لمنع اختراق حدودها مع تونس رغبة منها في أن يدفع هذا الملف دول الاتحاد الأوروبي إلى مفاوضتها مباشرة لتستطيع مقايضتها بما تحلم به من دور إقليمي.

وطالما أن الجزائر لا تحلم بأي دور إقليمي إلا إذا كان على حساب المغرب، فإن الرباط مطالبة بألا تقف متفرجة إزاء التطورات المرتقبة لهذا التجمع، مكتفية بانتظار أن تموت الأفعى بسم العقرب، بل من الواجب عليها التحرك في اتجاه كل من موريتانيا بالمزيد من الانفتاح عليها، وتكثيف التواصل معها، وفي اتجاه ليبيا بإعادة الحيوية إلى دورها المحمود في المصالحة المنشودة بين الليبيين.

 

عبد القادر زاوي

دبلوماسي متقاعد، سفير المغرب السابق في عدد من الدول العربية، مؤلف وكاتب عمود على مجلة المجلة