الإمارات وإسرائيل: هل انتهى شهر العسل؟

بادرت الإمارات العربية المتحدة إلى استنكار تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو التي أعرب فيها عن وجود ما أسماه إمكانية مشاركة أبو ظبي في مساعدة حكومة مستقبلية لإدارة قطاع غزة بعد نهاية الحرب، مشددة على أنه لا صفة شرعية لنتنياهو تخوله القيام بهذه الخطوة، وعلى رفضها الانجرار خلف أي مخطط يهدف إلى توفير غطاء شرعي للوجود الإسرائيلي في غزة.

ولم تفوت أبو ظبي الفرصة لتعيد التأكيد على لسان وزير خارجيتها على مواقفها المبدئية المعروفة بخصوص عدالة القضية الفلسطينية، مجددة بالمناسبة ثبات التزاماتها إزاء الشعب الفلسطيني، واستعدادها الدائم لتقديم كافة أشكال الدعم لهعندما يتم تشكيل حكومة تستطيع تلبية آماله وطموحاته، وتتمتع بالنزاهة والكفاءة والاستقلالية.

ورغم أن رئيس الوزراء الإسرائيلي ذكر في تصريحاته اسم المملكة العربية السعودية وتحدث عن دول أخرى لم يذكر أسماءها، فإن ما أثار الانتباه أكثر هو حدة الرد الإماراتي، وذلك لأنه يأتي من عاصمة عربية ظلت محافظة على نوع من التوازن بين عدم ترددها في إدانة ردود فعل إسرائيل على عملية طوفان الأقصى في قطاع غزة، وبين الإبقاء على زخم علاقاتها مع الدولة العبرية، إذ لوحظ أنها لم تقم باستدعاء سفيرها في تل أبيب ولو للتشاور، كما واصلت تنفيذ مختلف اتفاقيات التعاون المبرمة معها، وخاصة في المجالات الأمنية والمالية، والزراعية ومجالات التكنولوجيا الحديثة.

لهذا، فإن سبر أغوار العلاقات الإماراتية الإسرائيلية باعتبارها الأكثر إثارة للاهتمام في إطار ما سمي بالاتفاقات الإبراهيمية يقتضي عدم الاكتفاء بتسجيل حدة الرد الإماراتي على تصريحات نتنياهو، وتسليط الأضواء الإعلامية عليها، وإنما يتطلب طرح العديد من التساؤلات حول الأسباب الكامنة وراء سرعة هذا الرد، وبهذه الحدة، والسعي إلى تحليل كل ذلك في إطار يتجاوز البعد الثنائي للعلاقات بين البلدين ليصل إلى ربطه بما لديهما معا من طموحات للعب أدوار إقليمية ريادية وفاعلة، وبما يمارسانه من تحركات على أرض الواقع لتحقيق هذه الغاية.

في هذا السياق برزت مجموعة من التحليلات، التي تعتقدأن الرسائل الكامنة خلف قوة رد الفعل الإماراتي لا تهم فقط علاقاتها الثنائية بالحكومة الإسرائيلية الحالية، ولكنها تحملفي ذات الوقت تلميحا إلى احتمال قيام أبو ظبي بإعادة النظر في بعض سياساتها ومواقفها في الإطار الإقليمي، ذات الصلة أساسا بمسار عملية السلام الشامل في الشرق الأوسط.

ففيما يتعلق بالنطاق الثنائي للعلاقات بين تل أبيب وأبو ظبي لا يختلف اثنان على أن الرد الإماراتي بسرعته وحدته على تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي جاء ليس فقط تعبيراصريحا عن استياء أبو ظبي من سياسات بنيامين نتنياهو، وإنما دليلا على يأسها من إمكانية التعامل معه كشخص لأنها باتت على قناعة بأنه يشكل بعنجهيته وأنانيته عقبة حقيقية أمام أي جهود إقليمية ودولية تسعى إلى وقف المجازر المرتكبة في حق آلاف الأبرياء الفلسطينيين.

وفي معلومات من مصادر دبلوماسية أوروبية، فإن يقينالإمارات العربية المتحدة باستحالة التعامل مع نتنياهو في اتجاه القيام بخطوات إيجابية ملموسة نحو إيجاد تسوية للقضية الفلسطينية بغية للانطلاق بعدها في تعاون اقتصادي أوسع في إطار ما سمي ب”سلام الاستثمار” واقتصاد الممرات The Economic Corridorsلا تعود إلى بشاعة رد فعله في قطاع غزة فحسب، ولكنها بدأت تتبلور منذ أن تحالف لتشكيل حكومته الحالية مع عناصر في قمة التطرف من أمثال بتسلئيلسموتريش زعيم حركة الصهيونية الدينية الذي منحه وزارةالمالية، وإيتمار بن غفير زعيم حركة القوة اليهودية الذي عينه وزيرا للأمن القومي رغم معرفته بماضي هذا الأخير في حركة كاخالعنصرية، ومجاهرته باتباع الحاخام المتطرف دوف ليئورالمعروف بترويجه لفتاوى الإبادة.

ويكمن تحفظ أبو ظبي على هاتين الشخصيتين، وعلى التيارات الدينية الصهيونية ذات النزعة العنصرية عموما في أنها تناهض، بل وتحارب مثلها مثل التيارات الإسلامية المتطرفة سعي الإمارات الرامي إلى تحويل اختلاف الديانات التوحيدية من مصدر للصدام بين الشعوب والحضارات ومحرك أساسي لصراعاتها إلى مدخل لحلول المشاكل وتسويتها من خلال استثمار القيم التي تتقاسمها ضمن سياق ما يسمى ب”المشترك الإبراهيمي الذي يربطها، وذلك بغية الوصول إلى ما يسمى بالسلام الديني العالمي القائم على الاحترام المتبادل والأخوة الإنسانية.

وانطلاقا مما هو معروف عن ديناميكية السياسة الخارجية الإماراتية، فمن المرجح أن أبو ظبي التي استثمرت كثيرا في مجال ترسيخ التعاون الإقليمي عبر محاولات التقريب بين الأديان وإرساء حوار دائم بين رموزها الذين استقطبت العديد منهمللنشاط المشترك فيما سمته بيت العائلة الإبراهيمية لن تألو جهدا لمواصلة مسارها، ولن تتردد في استكمال مواجهة التطرف أيا كان مصدره، وعلى أي ساحة كان، وذلك رغم ضراوة الانتقادات بل والتهجمات التي تعرضت وتتعرض لها في هذا الشأن.

وعلى هذا الأساس استنتج بعض المراقبين أن الرد الإماراتي على نتنياهو تضمن نوعا من الدعم غير المباشر لزعيم تيارهناك مستقبليائير لابيد، الذي يقود معارضة شرسة متنامية في الشارع الإسرائيلي ضد سياسات نتنياهو، مضيفين بأنه ليس صدفة أن يتزامن ذلك مع بروز انتقادات لاذعة للحكومة الإسرائيلية من داخلها كما حصل مع وزير الدفاع يوآف غالانتالذي عبر عن رفض مطلق لسياسة التحكم العسكري التي يرغب نتنياهو تطبيقها في قطاع غزة بغطاء عربي يمني النفس بالوصول إليه بدعم من الإدارة الأمريكية، فضلا عن تهديدات عضو مجلس الحرب الوزير بلا حقيبة بيني غانتس، الذي طالب نتنياهو باتخاذ قرارات صارمة لاستعادة الرهائن قبل الثامن من يونيو المقبل، لا أن يواصل جر رجليه خوفا من المتطرفين في حكومته.

 ومما لاشك فيه، فإن الرد الإماراتي يعود بصفة رئيسية إلى خشية أبو ظبي من انتعاش خطاب التطرف في المنطقة مجددا، لإدراكها بأن خطاب التطرف الديني الذي أصبح حاضرا في خطابات معظم السياسيين الإسرائيليين سيدفع في اتجاه استعادة التيارات الإسلامية المتشددة لتوهجها في الشوارع العربية والإسلامية عبر بلورة خطاب أكثر راديكالية هو الآخر.

عبد القادر زاوي

دبلوماسي متقاعد، سفير المغرب السابق في عدد من الدول العربية، مؤلف وكاتب عمود على مجلة المجلة