“التغيير الامن” في مصر لن يحدث إلا عبر “الصندوق” وحوار مع صديقي الباحث..

ربيع العام القادم2024 هو موعد الانتخابات الرئاسية في مصر، فهل من الممكن أن تكون بداية حقيقية نحو التحول الديمقراطي، وانتهاء حقبة الحكم العسكري ؟؟
منذ أكثر من9 شهور تلقيت اتصالا من أحد الأصدقاء الأوروبيين ويعمل “كباحث متخصص في الشؤون السياسية لمنطقة الشرق الأوسط”، فسألني:”من آن لآخر وبعد  تظاهرات2019 و2020  يطلق البعض  ممن يتواجدون بالخارج دعوات للتظاهر  دون أدنى استجابة من المصريين, فلماذا لا يوجد تفاعل على الرغم من  أوضاع  هي الأسوأ على كل المستويات؟”.
أجبته:”لعدة أسباب. منها ما يتعلق بمصداقية ونزاهة الشخصيات الداعية للتظاهرات، وافتقار الدعوات تماما للبعد القيمي والاخلاقي، فبأي منطق يخرج من يعيشون في العواصم المختلفة آمنين يدعون  الجماهير للخروج ومواجهة آلة البطش النظامية الشرسة؟ وهم يتابعون المشهد من خلال شبكات التواصل الاجتماعي بدلا من تواجدهم مع من قاموا بدعوتهم في الشوراع والميادين؟؟ بأي منطق!! ” فإن لم تستطع أن تتواجد مع الناس فلا يجب أبدُا أن تحرضهم على الذهاب إلى الجحيم، فحتى الآن يتواجد في السجون والمعتقلات أعداد هائلة ممن تم القبض عليهم في التظاهرات التي أشرت لها.
فسألني: “ألا توجد أسباب أخرى؟”
أجبته:”يوجد سبب أخير وهو في رأيي أهم من كل الأسباب. فقد ترسخ كاليقين في الوعي الجمعي لدى  الأغلبية الساحقة من فئات المجتمع أن توابع النزول دائما ما تأتي بنتائج كارثية على مستواهم الاقتصادي و المعيشي، وعليك بالمقارنة ما بين الحالة الاقتصادية اليوم  وما قبل 2011، استجاب المصريين وخرجوا في ثورة يناير”وأنا من أبنائها” فهندس النظام العسكري تصدر جماعة الإخوان صاحبة المشروع الهذياني الماضوي للمشهد برئاسة “محمد مرسي”، فكان طبيعيا أن يخرج الجميع  على حكم المرشد “ولو صوريا ” (المجلس العسكري كان المحرك الأول لكل شيء) في ال 30 يونيو2013  فتمت إعادةإنتاج “جمهورية العساكر” التي تحكم منذ “انقلاب 52 ” ولكن في نسخة هي الأكثر قمعاً و بطشاً وتوحشاً والحالة برمتها من سيء إلى أسوأ، فالجميع يخشى أن تكون نتيجة الخروج القادم المزيد من الغلاء والفقر والتردي، وبالتالي بات هناك حاجز نفسي ضخم أمام  الجماهير، وهو الحاجز الذي يستخدمه “رأس النظام عبد الفتاح السيسي” في تمرير قرارات وسياسات كان يستحيل أن تمر إن لم يكن متأكدا  ككف يده من وجود ذلك الحاجز النفسي.”
فسألني: “إذن؟ ما هو الحل من وجهة نظرك ؟”
فأجبته قائلا:”الحل الأوحد الآمن  هو أن تكون الانتخابات الرئاسية القادمة في مصر مارس 2024 تحت إشراف كامل ومباشر للأمم المتحدة. توجد شعبة معنية بهذا الأمر في المنظمة الدولية تسمى “شعبة المساعدة الانتخابية تتبع إدارة الأمم المتحدة للشؤون السياسية ” ولسنا استثناء فهناك دول سبقتنا إلى التغيير الآمن بالصندوق منها على سبيل المثال لا الحصر”جنوب أفريقيا  كمبوديا، موزمبيق، السلفادور وغيرها من الدول ..”
قاطعني وقال:”ولكن لابد من موافقة النظام المصري بحسب اللوائح الدولية!”.
أجبته: “نعم أعلم ذلك بالتأكيد ولكن لابد من السعي والنضال بشتى الطرق. يجب على المعارضة بالداخل والخارج طرق جميع الأبواب الحديث مع كل دول العالم التي لها مصالح في منطقة الشرق الأوسط وتملك آليات للضغط والتأثير على صانع القرار في مصر فنحن
دولة بها 110 مليون مواطن وإن انفجرت الأوضاع “المرشحة في أي لحظة ” التوابع ستكون درامية على العالم أجمع بكل ما تعنيه الكلمة وليس المنطقة وفقط. نحن الآن من ضمن الدول التي تقبع وتتذيل كل المؤشرات العالمية المتعلقة بالديمقراطية، الحريات، التعبير عن الرأي، العدالة، الشفافية، نزاهة القضاء، والتعليم، الرعاية الصحية، مدخول الفرد، والدين الخارجي يقترب من 165 مليار دولار، والداخلي تجاوز 4 ونصف تريليون الانسداد طال كافة المناحي. لقد وصلت فصول مسرح العبث في مصر المحروسة للحد  الذي افتتح فيه  الأسبوع قبل الماضي  الرئيس  السيسي مسجد مصر الكبير في المركز الثقافي الإسلامي، بالعاصمة الإدارية الجديدة. وبلغت تكلفة إنشاء المشروع 800 مليون جنيه أي نحو 26 مليون دولار في المسجد الذي يعد واحدا من أكبر مساجد المعمورة، وبداخله أثقل نجفة وأطول منبر بحسب موسوعة غينيس، وكل هذا “في دولة  الشعب الافقر”. يا صديقي ما كل هذا الهزل؟ أما آن الأوان أن يتوقف؟”
فرد يقول:”ولكن ما تطلبه صعب جدا!”. فقلت له:”كان أجمل شعار من  شعارات أحداث مايو الطلابية في فرنسا عام 1968 ” كونوا واقعيين واطلبوا المستحيل “وما أطلبه ليس أبدًا بمستحيل. فتمنى لي التوفيق وودعني وأغلق الهاتف.
 وعملا بالحكمة التي تقول “ابدا بنفسك”. في نفس اليوم الذي تلقيت فيه الاتصال الهاتفي من صديقي الأوروبي الباحث، بدأت في بث سلسلة من الفيديوهات التي تتناول كافة الجوانب المتعلقة بالموضوع على قناتي على يوتيوب، واستضفت بعدها بأيام شخصيات بارزة
على فترات متقاطعة للحديث عن تجارب الدول السابقة في هذا الشأن، وخصصت وقتا شبه يومي للاتصال ببعض المعارضين في العواصم المختلفة للترويج لهذا الطرح. وبالفعل كما قال العالم العظيم ابن رشد”إن للأفكار أجنحة وهي تطير لأصحابها “، تفاجأت بالعديد من الشخصيات المصرية المعتبرة تتناول نفس الطرح وتقدمه أنه “الحل الوحيد لخروج محمود العواقب مما نحن فيه ولتجنب الانفجار المدوي الذي يلوح  في الأفق”.
آمل أن ننجح جميعا في إنقاذ مصرنا الحبيبة، التي تواجه أزمة تهدد للمرة الأولى وجودها ذاته.
مقالات الرأي لا يتبناها “البهموت”، ولا تعني إلا كاتبها، حرصا على الوفاء لشعار”الرأي رأيك”

محمد سعد خير الله

محلل سياسي متخصص في الشؤون الشرق أوسطية، كاتب رأي، وعضو رابطة القلم السويدية مقيم في السويد