بين طوفان الأقصى والسيوف الحديدية..نحن مغاربة!

ما إن اشتعلت جولة جديدة من المواجهات العسكرية الدموية بين الفلسطينيين والإسرائيليين حتى اندلعت في أعقابها وعبر أرجاء العالم العديد من المزايدات الكلامية على مختلف المنابر الإعلامية، ومنصات التواصل الاجتماعي بين المناصرين لهذا الطرف، والداعمين لذاك ؛ لدرجة أن بعضا من أخبار هذه المزايدات الإعلامية والمواقف السياسية التي تنطلق منها باتت تضاهي أخبار العمليات العسكرية المتبادلة، وتغطي أحيانا عما تسفر عنه من ضحايا بشرية وخسائر مادية.

وبطبيعة الحال، فإن شظايا هذه المزايدات لم تستثن المغرب بل ربما أخذت داخله طابعا متطرفا من النقيض إلى النقيض، إذ بحماسة مثيرة ودون تريث لانتظار جلاء غبار المواجهات الأولية بين الطرفين، ولا المسار الذي سيسلكه الموقف الرسمي للدولة من هذه المواجهة المتجددة بادر البعض إلى الإفصاح عن انحيازهم المطلق لهذا الطرف أو ذاك بالإعلان “كلنا إسرائيليون” ليرد عليهم آخرون في الآن نفسه “كلنا فلسطينيون”.

والملاحظ أنه في غمرة التسرع لتوظيف الحدث لمآرب مبهمة، فإن أيا من الطرفين لم يتجشم عناء تفسير المدى الذي يقصده باستخدام كلمة “كلنا” هل تعني  الحديث بصيغة الجمع تبجيلا لأسمائهم فقط، أم تشمل عموم المغاربة، وكأن بقية المواطنين مجرد قطيع أغنام يمكن أن ينساق وراء شعارات جوفاء يعرف خلفيات أصحابها.

لقد استطاع التحرك الرسمي الذي بادرت إليه الدولة المغربية على الصعيد الدبلوماسي التوصل إلى عقد اجتماع طارئ لمجلس الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية في ظرف قياسي على غير العادة في أروقة جامعة الدول العربية، وإلى الإسهام مع قوى الاعتدال والواقعية في العالم العربي إلى تبني قرارات موضوعية، مبدئية وغير عنترية تنسجم مع الواقع الدولي. ومع ذلك فإن أصحاب هذه المزايدات تمكنوا في البداية من التغطية على التحرك الرسمي، ومن إحداث فرقعة إعلاميةBUZZ تلاشت لحسن الحظ سريعا لأن ما جاهروا به لم يجد أي صدى يذكر لدى الرأي العام الوطني لانعدام تأثيرهم فيه من قبل.

إن خلفية أصحاب هذه المزايدات اللفظية الذين يطلون في العادة على قضايا المجتمع المغربي الداخلية، وتفاعلاته الخارجية من أبراجهم العاجية تسمح سريعا بكشف دوافع شعاراتهم رغم تناقضها  الواضح، وهي دوافع تستهدف أمرا واحدا يكمن في الضغط على القرار الرسمي للدولة، ولكن لكل منهما حاجة مختلفة من وراء هذا الضغط. ففيما لا يروم ضغط البعض سوى إحراج القرار الرسمي، فإن ضغط البعض الآخر الأكثر ضجيجا على المستوى الإعلامي يحاول توجيه بوصلة الموقف المغربي الرسمي نحو الجهة التي تغدق عليه محاولا رفع قيمة الإغداق نظير ما يبذله من جهود.

أمام هذا الواقع لكلا الطرفين يبدو من الواجب تذكيرهما معا بأن المغاربة لا هم إسرائيليون ولا هم فلسطينيون، وإنما شعب سلام مسالم تفاعل ويتفاعل مع تطورات الصراع العربي الإسرائيلي انطلاقا من احترامه لقواعد القانون الدولي ولالتزاماته بموجب مصادقته على ميثاق الأمم المتحدة، ولما عرف عن قيادته من سعي حثيث لتسوية الصراع العربي الإسرائيلي تسوية عادلة وشاملة تضمن للشعب الفلسطيني حقه في تأسيس دولته المستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وتعترف لإسرائيل بحق الوجود والعيش في سلام وأمان مع كافة جيرانها.

هل يمكن أن يتوقف هؤلاء المزايدون؟ الأمر مستبعد على الأقل في المدى المنظور، لأن المنطق الذي يحركهما معا لا يهمه الطوفان ولا السيوف التي تواجهه، وإنما يوظفون هذه وذاك لاتخاذ مواقف مصلحية منطلقها القول المأثور ” ليس حبا في علي، ولكن كرها في معاوية”.

عبد القادر زاوي

دبلوماسي متقاعد، سفير المغرب السابق في عدد من الدول العربية، مؤلف وكاتب عمود على مجلة المجلة