كرة القدم المغربية: الأزمة أكبر من لقجع والركراكي

لا يختلف اثنان على أن تأهل المنتخب المغربي لكرة القدم إلى نصف نهاية كأس العالم قطر 2022 يرقى إلى درجة الإعجاز وليس فقط الإنجاز، الذي يستحق كل من ساهم في تحقيقه أصدق عبارات الثناء والتقدير، وفي مقدمتهم اللاعبون والجهاز الفني، فضلا عن الجمهور الشغوف الذي ضرب أروع الأمثلة في تشبثه بالثوابت الوطنية، وفي تحفيزه للاعبين بشكل حضاري ومبدع.

وعلى قاعدة أن النجاح له أكثر من أب، فإن أطرافا عديدة جندت أبواقا إعلامية للترويج إلى ما تعتبره دورها المحوري في تحقيق هذا الإنجاز محاولة تسويقه كثمرة توجه عام وشامل سنته هي للرقي بكرة القدم الوطنية، مقحمة في إطاره تألق كرة القدم للصالات “الفوتسال”، والانتعاش الملحوظ لكرة القدم النسوية، فضلا عن تسارع وتيرة تجهيز عدد من المدن ببنيات رياضية تحتية لتأمين ممارسة كرة القدم في ظروف مناسبة.

وإذا كانت تلك المنجزات تسجل بمداد الفخر والاعتزاز، فإن الفضل يعود بالنسبة للبنية الرياضية التحتية إلى إرادة سياسية رفيعة المستوى جسدتها توجيهات صاحب الجلالة الملك محمد السادس، التي تضمنتها رسالته السامية إلى المناظرة الوطنية للرياضة سنة 2008، مما أدى إلى تكاتف جهود العديد من المؤسسات الحكومية، وعدد من مجالس الجماعات الترابية المنتخبة لإنجاز ما تم  إنجازه، فيما أساس انتعاش كرة القدم النسائية تقف خلفه جهود الجمعية الرياضية للقوات المسلحة الملكية، التي وفرت للاعباتها كل ظروف التألق.

وفي سياق المنجزات التي تحققت كان مدعو الأبوة لإنجاز قطر 2022 يأملون استمرارها، وذلك بالفوز بكأس إفريقيا للأمم كوت ديفوار 2023، وهو الأمل الذي أعدوا الزفة الإعلامية للاحتفاء به قبل أوانه، ولتوظيفه لإخراس كل من سولت له نفسه انتقاد نهجهم الذي يرونه سديدا، وتسييرهم الذي يتوهمونه رشيدا، في تجاهل تام لحقيقة بديهية مفادها أن ما حصل في قطر لا يعكس نهائيا واقع كرة القدم المغربية، والوضعية المزرية لمعظم مكوناتها.

لذلك، وبعد الإخفاق في الكوت ديفوار اتضح أن نتائج المنتخب الوطني في كأس العالم غير المسبوقة قاريا وعربيا لا تستطيع لوحدها إخفاء ما تعانيه كرة القدم المغربية من مشاكل بنيوية تطال جميع مكوناتها بلا استثناء لأي من عناصرها المتدخلة في تنظيم ممارسة الكرة سواء تعلق الأمر بمكونات الجمعيات الرياضية ونظام الانخراط الذي يكبل إمكانيات تطويرها، أو بالإطار القانوني المنظم لها.

ولا شك، فإن أزمة الكرة المغربية تبرز أيضا في سيادة العشوائية وسوء التدبير اليومي داخل الأجهزة الوصية الممثلة في الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، وفي العصبة الاحترافية، والذي ظهرت إحدى تجلياته في غياب مواكبة إعلامية موضوعية للمنتخب الوطني بالكوت ديفوار، وعدم القدرة على مواجهة الحرب النفسية التي شنت ضده بحملات تشهير وتشكيك في مشروعية نتائجه السابقة، وذلك بتكرار مغالطة كبيرة عن توفر المغرب على نفوذ قوي وحاسم في كواليس الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم يخدم مصالحه.

ورغم العودة بخفي حنين من الكوت ديفوار، فإن المنتخب الوطني لكرة القدم، وشقيقه للفوتسال يجسدان إضافة إلى المنتخب النسوي شتلة ورود جميلة تسر الناظر والمتتبع، وتعبق بروائح عطرة بين الفينة والأخرى، ولكن منجزات هذه الشتلات مجتمعة ليست قادرة لوحدها على إخفاء قبح الحديقة، التي لا ينكر تراكم النفايات النشاز فيها سوى المكابر أو المستفيد ماديا ومعنويا، وكذا سياسيا من الماء العكر الآسن في بركة الحديقة. فهذا القبح لديه مظاهر متعددة يمكن سرد أبرزها فيما يلي:

*معاناة مستمرة لمعظم الأندية على صعيد إيجاد موارد مالية قارة بعيدا عن كل أنواع الدعم الممنوحة من مؤسسات الدولة المعينة والمنتخبة ؛ الأمر الذي وصل في بعض الحالات إلى وضعية إفلاس غير معلن لأندية كثيرة بعضها أندية مرجعية وتاريخية تم التعبير عنه بشكل فاضح في:

1/ توالي امتناع اللاعبين عن خوض التداريب بسبب التأخر في التوصل بمستحقاتهم، التي اضطروا أحيانا إلى التنازل عن بعضها بغية فك ارتباطهم بأنديتهم.

2/ الحجز قضائيا على ممتلكات بعض هذه الأندية، وخاصة على حافلات تنقلاتها.

*فشل في الانتقال بالأندية من وضعيتها كجمعيات غير ربحية خاضعة للظهير الشريف رقم 1.58.376 لسنة 1958 إلى شركات مساهمة مؤسسة وفق القوانين التنظيمية للقانون رقم 30/09 المتعلق بالتربية البدنية والرياضة الصادر في 24 غشت 2010، والذي ما تزال معظم مقتضياته غير مفعلة، مما أدى إلى تضارب في الاختصاصات بين الشركات القائمة على الورق فقط، وبين الجمعيات. ويعود هذا التضارب إلى أن الشركات في غياب رأسمال فعلي لديها، تضطر عند الوفاء بالالتزامات التي على عاتقها بموجب العقود التي أبرمتها مع اللاعبين والأطر الفنية والإدارية إلى الصرف من مالية الجمعيات الشحيحة أصلا.

*غض الطرف بشكل مقصود عن مخالفات قانونية بالجملة في عقد الجموع العامة للكثير من الأندية، التي وصل بعضها إلى خمس سنوات بدون جمع عام، ناهيك عن تلك التي أحيلت إلى القضاء للبث في شرعية مكاتبها من عدمها.

*تزايد موجة الانتقادات المصاحبة للمباريات من جراء الفوضى في تنظيم معظمها، وتنامي التعصب والعنف الجماهيري بسببها، والذي أرهق جهود السلطات الأمنية، التي باتت تفضل إجراء المباريات بدون جمهورhui clos  لتفادي ما قد لا يحمد عقباه في حالة اصطدام جماهير الأندية فيما بينها، كما استنزف الموارد المحدودة للأندية نتيجة فرض غرامات عليها بسبب سلوك الجماهير في سابقة لا يوجد أي أساس قانوني لها، والمتمثلة في اعتبار الجمهور جزءا من النادي مع أنه لا علاقة قانونية بين الطرفين.

وإذا أضفنا إلى هذا الواقع المزري لممارسة كرة القدم في المغرب، ندرة الكفاءة والنزاهة في التسيير، فضلا عما تلوكه الألسنة من معلومات غير مؤكدة، ولكن لم يتم تكذيبها أيضا عن وجود نوع من المحاباة لبعض الأندية عن البقية، من البديهي ألا ننجح كمغاربة في استثمار إنجاز كأس العالم في قطر 2022.

لقد كان منتظرا أن يترجم الإعجاب والتقدير العالميين اللذين حظي بهما المنتخب المغربي في قطر إلى إقبال محلي وأجنبي أيضا على الاستثمار في كرة القدم المغربية، وفي أنديتها، وخاصة تلك التي تتمتع بجماهيرية كبيرة، وبحضور مستدام في الملتقيات الكروية القارية والدولية، وتنتمي لمدن اقتصادية كبيرة، كما كان باعة الوهم يمنون ٧طعالنفس بتهافت قنوات تلفزية أجنبية وخاصة العربية على اقتناء بث مباريات البطولة الوطنية، غير أن شيئا من ذلك لم يحصل لتظل دار لقمان على حالها، وفي ذلك عبرة لأولي الألباب.