لماذا تنتصر البلدان الإسلامية للقرآن قبل الإنسان؟

لن أصمت واقف مكتوف الأيدي تجاه ما يتم ويمثل خطر داهم  على”حرية الرأي والتعبير ” منذ فترة ليست بالقصيرة وهو ممنهج ومهندس، وليس عفويا وعارضا، وأعني بكلامي ما تفجر مؤخرا بعد وقائع حرق “سلوان موميكا وزميله سلوان نجم وآخرون ” لنسخهم من القرآن في العديد من  ساحات  السويدية، ومقالي ليس للدفاع عن “سلوان وزملائه “، ولكنه
 لتوضيح عدد من النقاط الهامة والمفصلية والتي يريدون لها في دول كثيرة أن تستمر، وتظل غائبة، محظور الاقتراب منها، وسط حمم التحريض المحملة بأدرنالين الكراهية التي تطلق بلا هوادة وعلى مدار الساعة تجاه السويد من كل حدب وصوب.
ما يؤكد الاستهداف هو التعامى التام والكامل وتجاهل نفس الواقعة التي تمت بعد أقل من أسبوع من “واقعة موميكا”، الأولى “بصورة مغايرة في مدينة أوليانوفسك الروسية  “لنسخة من القرآن ” على يد مواطن مصري  يدعى سعيد أبو مصطفى ” قام بسكب مشروب كحولي عليها تضامنا مع “سلوان  ” بحسب ما أعلن في الفيديو.
لذا لن أندهش إن قمت من النوم صباح يوم ووجدت بيان و فيه تصريحات نقلت عن  الأشجار والطيور، والزهور والبحار تشجب وتدين “استهداف الدين الإسلامي “لكي يكتمل الهزل فالموضوع برمته تخطى ما قام به “موميكا”وتحول إلى “تهديد إرهابي في المطلق وبشكل مسبق لكل من سيقترب في المستقبل ويطرح أي سؤال له علاقة بدين الإسلام”  الذي يعيش أزمة كبرى منذ حادثة “سقيفة بني ساعدة” التي أعقبت وفاة النبي محمد مباشرة في 7 يونيو سنة 632 م لاختيار من يخلفه.
ولمن لا يعرف”اجتماع السقيفة” ففيه وقع خلاف ضار ما بين الأنصار والمهاجرين ووصل إلى حد ضرب “سعد بن عبادة ” ضربا مبرحا وهو الذي وقع عليه الاختيار في البداية ليكون خليفة للملسمين، قبل فرض “أبو بكرالصديق ” ليكون هو الخليفة في نهاية الأمر على غير رغبة الكثيرين ممن حضروا الاجتماع أو”الموقعة ” بوجه أدق.
ومنذ ذلك اليوم تحول الدين إلى “مشروع سلطوي بامتياز ” فلقد اقتتلوا فيما بينهم من أجل السلطة “صراع سياسي حامى  الوطيس”  تطور إلى  عدد من المعارك  والمواقع الحربية منها “الجمل، صفين،  كربلاء، صدام الأمويين وعبد الله بن الزبير، معركة الزاب ” معركة صفين وحدها قتل فيها 70 ألف إنسان من إجمالي قوة 265 الف شخص لكلا الفريقين المتحاربين وأرجو  ملاحظة هامة وجوهرية تتعلق بالعدد الإجمالي للمسلمين في  تلك الفترة، والاقتتال من أجل السلطة والثروة والسطوة وحسم التواجد والنفوذ ولكن هذا الصراع غلف “برداء ديني” وادعى
 فيه جميع المتقاتلون أنهم أصحاب الحق والتوكيل الإلهي في الخلافة والحديث بأسم الله.
ووصل الأمر في نهايته”عصرنا الحالي ” الى حد إنتاج  داعش وأخواتها ، تنظيم القاعدة، هيئة تحرير الشام ، جبهة النصرة، المرابطون، التوحيد والجهاد ، الجماعة الإسلامية، الجهاد الإسلامي، حزب الله، حماس  وغيرها وغيرها من الجماعات وكلهم يحملون لواء الإسلام ينطقون ببرامج من متن وصلب القرآن والاغلبية منهم خرجوا بطريقة أو بأخرى من رحم جماعة الإخوان المسلمون التي تريد أن تتسيد كوكب الأرض كله بمشروع “أستاذية العالم ” وهو مشروع وهمي خرافي هذياني ماضوي معادي للإنسانية وللآخر ومتقاطع كل التقاطع مع “الحداثة”.
حرية التعبير الآن في السويد  تواجه خطر داهم حقيقي”أكررها للمرة الثانية” ،وكل أنظمة الاستبداد والطغيان في العالمين العربي والإسلامي،تعمل مع  بعضها البعض، من أجل إخراس الجميع وعدم تعرضهم للنسخة المعتمدة من الإسلام والتي تخدم على الحاكم كامل التخديم سواء كان هذا الحاكم ملالي كما الحال في إيران أو عسكري كما في مصر أو من إحدى الحركات كما الحال في أفغانستان “حركة طالبان “.
وعلى سبيل المثال لا الحصر ساضرب مثالا من خلال هذه الدول لتأكيد كلامي وانحياز الدين كامل الانحياز إلى الحاكم وبنصوص وآيات قرآنية فجميعهم يتفق تماما على أن “الإسلام دين ودولة” على الرغم من “سحق للإنسان ” يتم في كل تلك البلدان التي تهاجم السويد ليل نهار ، فأين الدين من كل ذلك !؟
وللتاريخ. لا يوجد أي نظام ديمقراطي في أي دولة من الدول العربية ال22، بل لا أتذكر أسم دولة واحدة ديمقراطية بصورة كاملة من بين 57 دولة منضوية تحت سقف منظمة التعاون الإسلامي ولكي أكون منصفا من  الممكن أن أقول أن تركيا يوجد بها ديمقراطية إلى” حد ما….” وذلك بفضل “قوة المجتمع  التركي ” وليس رغبة النظام الحاكم بقيادة أردوغان الذي”يلقبونه أحيانا بالخليفة “وذلك موضوع يطول شرحه ويستحق أن يكون”مقالا آخر”..
-قلت- كل تلك الدول أصدرت بيانات صاخبة عالية الصوت تدين استهداف الحكومة السويدية للدين الإسلامي “وهذا لم يحدث في الأساس ” وليست المرة الأولى بالطبع، فبعضها أصدر تصريحات في حوادث سابقة تتعلق بما اطلقوا عليه هشتاج شهير عن “خطف أطفال المسلمين”، وما قيل كذبا عن استهداف الخدمة الاجتماعية لهم، و”إغلاق المدارس الإسلامية” التي ثبت بالأدلة و القرائن قيام القائمين على بعضها بتمويل ودعم أنشطة إرهابية خارج البلاد، وما قام به بالودان” من حرق نسخ للقرآن في السابق، ولكن هذه المرة يوجد سعار غير مسبوق وتناسي عن عمد لكل ما قامت به الدولة السويدية التي فتحت ذراعيها واستقبلت مئات الألوف من المسلمين وصل عددهم الآن إلى 875  ألف أي 8,5% من السكان والسؤال الذي يطرح نفسه إذا كان هناك استهداف للإسلام والمسلمين، فلماذا تم استقبالهم من الأساس!؟
للأسف كل ما يتم منذ عدة سنوات ساهم إلى حد كبير في إرباك المؤسسات السويدية المنوط لها التعامل مع الأمر، والتي تحولت إلى خانة الدفاع عن فعل لم تقم به أصلا فقط كان “الانحياز ” إلى القيمة الوحيدة التي تستحق أن تكون برأيي مقدسة وهي”حرية الرأي والتعبير “.
سأحاول جاهدا  في المقالات القادمة التعرض بالتشريح لعصب و صلب أزمةالدين الإسلامي”التي تتفاقم يومًا بعد يوم “من بعد مؤتمرالسقيفة وصولا إلى واقعنا الحالي الذي نعيشه الان فلن نحسن مواجهة المآلات دون معرفة كيف كانت البدايات، وكيف تطورت ومضت الأمور ومن الذي يقوم بتزييف الوعي لسحق وتسطيح العقول وحشوها وملئها بالخرافة والاساطير، من لكي نتتج مسوخ يسهل التحكم بهم وفيهم من أجل
إدامة الرداءة والاستبداد والشمولية، ولن أجد أبدًا أفضل  من مقولة ميشيل فوكو التي تحضر في ذاكرتي الآن لكي انهي بها  مقالي.
“المعرفة هي المساحة الوحيدة لحرية الوجود”

محمد سعد خير الله

محلل سياسي متخصص في الشؤون الشرق أوسطية، كاتب رأي، وعضو رابطة القلم السويدية مقيم في السويد