لماذا لا يزال “الخطر يهدد العلاقات المغربية الفرنسية؟

استقبلت الرباط وزير خارجية فرنسا الجديد ستيفان سيجورني في زيارة هي الأولى له إلى القارة الإفريقية منذ توليه منصبه في التاسع من يناير 2024. زيارة أبدت باريس الرغبة في أن تمثل، كما قال الوزير الفرنسي، بداية صفحة جديدة في علاقاتها مع الرباط، وذلك بعد طول جفاء عاشته هذه العلاقات، التي فشلت العديد من المحاولات الأحادية الجانب لتصدير انطباع مغاير لواقعها المأزوم كانت أبرزها تصريحات وزيرة الخارجية الفرنسية السابقة كاترين كولونا عن زيارة مرتقبة للرئيس ماكرون للمغرب ثبت أنها لم تكن لا مبرمجة ولا موضع محادثات ثنائية بين الطرفين.

ومما لاشك فيه، فإن الرغبة الفرنسية في فتح صفحة جديدة صحية وسليمة للعلاقات بين الرباط وباريس هي التي تقف وراء إلحاح الجانب الفرنسي على إضفاء أجواء إعلامية إيجابية عن زيارة الوزير سيجورني، والترويج لادعاء نجاحها في كسر الجمود الذي اعترى تلك العلاقات، وذلك من خلال محاولة الوزير شخصيا الإيحاء بحدوث تغير نوعي في موقف بلاده من مغربية الصحراء، وذلك بالتأكيد على:

*استمرار الدعم الفرنسي لمبادرة الحكم الذاتي في الصحراء المغربية الذي لم ينقطع منذ أن طرحت المبادرة سنة 2007.

*إدراك باريس جيدا بأن قضية الصحراء قضية وجودية بالنسبة للمغرب وللمغاربة.

*الإعلان عن افتتاح مراكز ثقافية وتعليمية فرنسية في أقاليمنا الجنوبية إلى جانب عدم استبعاد إمكانية توجيه استثمارات فرنسية للمنطقة.

ورغم ذلك بدا واضحا أن الجانب المغربي لم يشاطر الوزير الفرنسي ذلك التفاؤل الذي أبداه، ولم يكن مستعدا لمجاراته فيما صرح به، وذلك لأنه لم يأت بأي جديد يذكر في الموقف الفرنسي من قضية أقاليمنا الجنوبية إن لم يكن قد قام بخطوة إلى الوراء عندما أشار إلى أن الوقت قد حان للتقدم للتوصل إلى حل دون أن يفصح عن ماهية هذا الحل، وكيف سيتم تطبيقه وفي أي إطار، معربا بذلك عن أن فرنسا ما تزال أسيرة المنطقة الرمادية في موقفها من قضية الصحراء لعلها تسترضي الرباط دون أن تغضب الجزائر، والعكس صحيح حسب الظروف التي تجد نفسها فيها.

وإذا كان الوزير سيجورني قد تعمد تجاهل أولى قواعد العمل السياسي والدبلوماسي المتمثلة في استحالة السعي إلى تحقيق هدفين متناقضين في آن واحد، فإن الجانب المغربي قد ذكره بها جيدا عندما لم يحدد له موعدا للقاء  صاحب الجلالة الملك محمد السادس، ولم يبرمج له أي لقاءات أخرى مع مسؤولين مغاربة حكوميين أو برلمانيين، فضلا عن تأكيد نظيره المغربي أثناء الندوة الصحفية المشتركة على ضرورة تجديد وتطوير علاقات البلدين في المضمون والمقاربة والفاعلين أيضا، وعلى أساس مبادئ الاحترام المتبادل.

وفيما يبدو، فإن الوزير الفرنسي قد التقط إشارات نظيره المغربي في حديثه عن ضرورة التجديد والتطوير في علاقات البلدين، ولذلك حرص على الإشارة إلى أن الرئيس إيمانويل ماكرون شخصيا طلب منه العمل في هذا الاتجاه في أفق تعميق هذه العلاقات، وأن عددا من زملائه في الحكومة الفرنسية سيقومون بزيارة عمل قطاعية للمغرب في المستقبل القريب لتنزيل ما أسماه خارطة الطريق الجديدة لعلاقات البلدين التي باتت واضحة على حد تعبيره.

والواضح من كلام الوزير سيجورني أن رؤية باريس للتجديد والتطوير في العلاقات مع المغرب تختلف جوهريا عن رؤية الرباط. فانطلاقا من إعلان الوزير الفرنسي أن بلاده تأمل في إطلاق شراكة اقتصادية مع المغرب للثلاثين سنة المقبلة يبدو جليا أن التجديد والتطوير بالنسبة لفرنسا يكمن في الاستفادة من كعكة مشاريع المغرب التنموية المعلنة مؤخرا، والتي لم يتردد السيد سيجورني في وصفها بالمفاجئة، فيما رؤية الرباط أبعد من ذلك بكثير، وترتكز على ضرورة أن يستوعب الجانب الفرنسي أن المغرب أضحى قطب استقرار، وقوة سياسية فاعلة في محيطها الجغرافي الإفريقي والعربي على حد سواء.

إن وؤية المغرب للتجديد والتطوير في معظم علاقاته الدولية وليس فقط مع فرنسا صيغت على هدي ما ورد في خطاب صاحب الجلالة الملك محمد السادس في ذكرى ثورة الملك والشعب يوم 20 غشت 2022، الذي أكد بما لا

2 / 2

يدع أي مجال للشك بأن ملف الصحراء المغربية “هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيط الذي يقيس به صدق الصداقات ونجاعة الشراكات”.

ولا شك في أن قيام عدد من شركاء المغرب باحترام هذه الرؤية والتجاوب معها عن طريق تبني مواقف واضحة وصريحة لا تقبل أي تأويل إزاء مغربية الصحراء، وحلها الوحيد المتمثل في تنزيل مبادرة الحكم الذاتي المطروحة على أنظار الأمم المتحدة منذ سنة 2007، هو الذي ساهم في إرساء علاقات تعاون متعددة المجالات مع هؤلاء الشركاء بمصداقية وروح إيجابية، وعلى قاعدة الربح المشترك، مما جعل الرباط شريكا مرغوبا ومطلوبا على الساحة الدولية.

وبالنظر لما رشح من معلومات شحيحة عن الزيارة القصيرة لوزير الخارجية الفرنسي إلى الرباط، وغياب أي متابعة علنية لحد الآن لما قد تكون تمخضت عنه من خطوات، يبدو أن فرنسا ما تزال أسيرة حالة التردد التي غدت تميز منذ مدة ليست بالقصيرة سياسة تعاملها مع قضايا العالم العربي بصفة عامة، وقضايا منطقة شمال إفريقيا وامتدادها في منطقة الساحل والصحراء بصفة خاصة ؛ الأمر الذي جعلها تفقد الكثير من مصداقيتها، وساهم في كشف ضعفها، وعدم امتلاكها للوسائل اللازمة لممارسة دبلوماسية فعالة ومؤثرة.

فهل تستوعب باريس ذلك، وتكف عن الرقص بين حبال متعددة لتبدأ مراجعة حالة التردد هذه من بوابة الرباط؟ إن غدا لناظره قريب.

عبد القادر زاوي

دبلوماسي متقاعد، سفير المغرب السابق في عدد من الدول العربية، مؤلف وكاتب عمود على مجلة المجلة