لماذا يصر نتنياهو أن يكون “فرعون إسرائيل”..

الجميع يعلم خطورة وكارثية الاستبداد تبعاته، ،نتائجه ومآلاته، ولكن تبقى مراراته التي لا يعرفها، إلا من تذوقها وتجرع حنظلها فلقد كنت أحد،
ضحاياه السابقين، عندما لم يكن أمامي إلا  “الخروج القسري “من وطني للنجاة بحياتي.
 ولانني خبرته ودفعت ثمنه غاليا،  فلا أريد أبدًا وبأي حال أن يلحق بي آخرون في أي مكان حول العالم، واليوم  إسرائيل  الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط والتي كنا، وما زلنا نناضل لكي نصبح مثلها فإذا بها تنتهي حكومتها من الخطوة الأولى الفارقة والمفصلية في طريق نهايته الانضمام لنا “قطار الدول الاستبدادية في الشرق الأوسط “.
هذا  الطريق معروف ومعلوم كيف تكون بدايته التي ما تأتي دائما عبر “وأد العدل وإخضاع القضاء وإذا وأد العدل”. عم “الظلم وهو مؤذن بخراب العمران” كما قال عالم الاجتماع الاشهر ابن خلدون، إنها “الخلطة السحرية والوصفة المجربة ” التي يعلمها المستبدون جيدا، لذا وجب وحق علي الكلام والتحذير وبعلو الصوت، أكتب أليكم من  السويد بلد اللجوء والمنفى.
 فالديمقراطية الإسرائيلية الآن تواجه خطر داهم وبشكل حقيقي يهدد الدولة ذاتها تهديد وجودي واحتمالات “الحرب الاهلية ” واردة منذ أن تم إقرار قانون ” إلغاء حجة المعقولية ” في 24/7/2023 وهو يعادل يوم 31/8/1969 في مصر وقتما قام عبد الناصر بعمل “مذبحة القضاء ” لتقويضه و”مأسسة الاستبداد ” ولمن لا يعرف أحداث ذلك اليوم ففيه تم عزل200قاضي”يقدسون العدل ” “بتهمة العداء لثورة”انقلاب” يوليو، والأمر لم يكن كذلك  كان كل ما يريدونه أن يكون القضاء في مصر
“مستقل تماما والعدالة عمياء والعدل بصير “.
 ومنذ تلك الفترة بدأ انحدار وسقوط مدوي إلى أن  أصبحنا”الدولة الأضحوكة”على مستوى العالم كنتاج طبيعى لحكم العساكر،  نجح نتنياهو في ضربة البداية لتأسيس “دولة ثيوقراطية ” في القرن 21 وعالم ما  بعد الحداثة، لكي تكون له سلطة مطلقة وحكم استبدادي مستدام وكأنه أراد أن يثار لنفسه مما يتم معه ويتعلق بالمحاكمات ولسان حاله يقول  “أيعقل أن أتعرض للمحاكمة بعد كل ما حققته للدولة من إنجازات ونجاحات في شتى المجالات كيف تمضي الأمور على هذا النحو يا بيبي!؟ فيرد خاطره إنها الديمقراطية!! فيقول إذًا فلتسحق وتضرب وتذهب إلى الجحيم وتصبح من مخلفات الماضي..
يا رفاقي الأعزاء يا سومتريتش يا إيتمار غفير يا آفي ماعوز و آرييه درعي،أعطوني على وجه السرعة خارطة الاستبداد بنكهة تتناسب معكم و تروق لكم، فيقولون له نريدها ثيوقراطية، ثيوقراطية أذًا فلتكن كما تريدون لنحكم معا أبد الدهر وتحيا الاستبداد 3 مرات على غرار ،الهتاف الشهير لحاكم عربي لدولة من دول الجوار ولكنه يضع أسم الدول بدلا من ممارسات الواقع للضحك على عقول البسطاء
وحسني النية “
لا أبالغ على الإطلاق إن وصفت الاثنين 24 يوليو2023 بأنه اليوم الأسوأ في تاريخ دولة إسرائيل منذ نشأتها فما قرأته من مشروعات للقوانين وأطروحات مستقبلية يخطط لها نتنياهو وفريقه “مرعب وغير متصور أن يمضي  ويمر في مجتمع”يتنفس الديمقراطية ويتباهى  ويتفاخر بها
“فخلطة نتنياهو ورفاقه الاستبدادية ” تضع المختلفين معهم في مواجهة
مباشرة مع الله ، كونهم كفرة ،و اختلفوا مع ظل الله في الأرض ممثله.
وهي بالطبع أثمان أكثر فداحة من المختلفين مع  الفاشيات في البلدان العربية القومجية والبعثية والناصرية واليسار العسكري لان المختلف
معم “خائن ” وليس “كافر “.
كلامي ليس دعوة إلى اليأس ولكنه وصف للمشهد بدقة و “بعقل بارد “من مجرب وكما يقال في الأمثال “أسأل مجرب ولا تسأل طبيب” ويكفي نظرة واحدة على حالنا في مصر بتقيحاته، في التعليم ، الرعاية الصحية ، المدخول ، الحقوق والحريات، الأصول والمقومات، المقدرات، سجناء
الرأي، العسكرة، الاحتكارات، الاستباحة، الوضع و المكانة الدولية، الإبداع، الفنون، الرياضة، آفاق المستقبل أمام الشباب، الديون  باختصار نحن في أسوأ عصور الاضمحلال وأبشعها على الإطلاق ،وكل ما أشرت إليه حاصل جمع بذور الاستبداد التي يتعين على كل من يعرف مرارتها التحذير منها، ليكون درس بليغ لمن يريد أن يتعلم ويفهم.
وإن كان لي أن أنصح فأنا أرى الحراك الإسرائيلي لأنصار الديمقراطية والعدالة والسلام والمساواة، وصل إلى درجة من النضوج تحتم وتستوجب،
 تحوله إلى “تيارأو أئتلاف سياسي واسع عنوانه مثلا “الاتحاد من أجل الديمقراطية والعدالة ” أو أي مسمى، يعبر عن المرحلة بوضوح وجلاء ويكون له الحق في خوض الانتخابات القادمة، من أجل الحفاظ على الركيزة الأساسية التي تقام عليها الدول العدل فهو أساس الحكم، وأتمنى استيعاب الدرس المصري جيدا حراك ال25  من يناير 2011،فلن  أنسى طوال حياتي عندما كنا في الشوراع والميادين الازقة والحواري المصرية أعداد هائلة بالملايين، تتظاهر وتطالب بالحرية والعيش والعدالة الاجتماعية، وكأننا في كرنفال وليس حراك مصيري وبرغم تضحيات هائلة وإزهاق للارواح وإراقة الدماء وفداحة الأثمان لم ننتبه إلى حتمية “تضفير الحراك ووضغه في أطار سياسي ( واحد واحد ولو بشكل مؤقت ) له الكلمة العليا حتى تستقر الأوضاع فسهل عليهم وقتها تشتيت وإشغال الجميع، بقضايا فرعية وأمورثانوية وأدخالنا في جدليات التفرقة بمساعدة القوى الإسلاموية الحليف الدائم والابدي لجمهورية العساكر في مصر، ولا أريد الاسترسال أكثر فالنتائج أصبحت معروفة ومعلومة والدرس قاسي ومرير، ولكنني متيقن أنه في الاذهان حاضر وبشده ولكن لابد من التذكير به، أتمنى من أعماقي الانتصار للرفاق الأعزاء، الذين يبهرون العالم بنضالهم الراقي المتفرد شديد التميز ، وبالفعل لا خوف على الشعوب الحية من الاستبداد.

محمد سعد خير الله

محلل سياسي متخصص في الشؤون الشرق أوسطية، كاتب رأي، وعضو رابطة القلم السويدية مقيم في السويد