ماذا بعد عودة المغرب إلى العراق؟

الرباط– بعد سقوط نظام الرئيس صدام حسين سنة 2003، وبعد الاحتلال الأمريكي لبلاد الرافدين وتنصيب بول بريمر حاكما مؤقتا في عاصمة الرشيد، نقل المغرب النشاط الدبلوماسي لسفارته في العراق إلى العاصمة الأردنية عمان دون أن يعلن بشكل رسمي إغلاق السفارة في بغداد، التي أمن فيها حضورا رمزيا من خلال الإبقاء على موظفين محليين بصلاحيات إدارية محدودة للغاية، ولم يقرر إغلاق السفارة بصفة نهائية إلا مضطرا بعد تدهور الوضع الأمني في كل أنحاء العراق،والذي راح ضحيته اثنان من موظفيه المحليين.

وهاهي الرباط بعد أزيد من 18 سنة تقرر إعادة فتح سفارتها في العراق، مضفية على الحدث أهمية كبرى جعلته يستأثر بمتابعة إعلامية محلية وعربية ودولية واسعة، وذلك من خلال إتمام عملية افتتاح السفارة على هامش أول زيارة رسمية لوزير خارجية مغربي لبغداد منذ 25 سنة، وبإدراج هذه الزيارة التاريخية في سياق جولة في منطقة الخليج العربية يبدو أنها كانت محملة برسائل مباشرة وغير مباشرة لكل العواصم المطلة على الخليج بضفتيه الشرقية والغربية سواءأكانت التي شملتها الجولة، أم تلك التي لم تشملها.

لقد كان وزير الخارجية المغربي محقا حين اعتبر إعادة فتح السفارة في بغداد دليلا على ثقة المغرب كبوابة غربية للعالم العربي في الحاضر الجديد لبوابة العرب الشرقية، وهي ثقة في مستقبله أيضا، خصوصا وأن بغداد بدأت تخرج رويدارويدا وبثبات من متاهة الخلافات السياسية والمشاكل الأمنية التي عاشتها في الحقبتين الماضيتين، كما بدأت تتحررتدريجيا من ثقل التدخلات الأجنبية التي تتصارع على مناطق النفوذ فيها.

ولهذا، فإلى جانب إعادة الروح والحيوية إلى العلاقات الثنائية المغربية العراقية التي اتسمت على الدوام بالاحتراموالتقدير، وبتعدد وتنوع مجالات التعاون فيها رغم اختلاف وجهات النظر والمواقف إزاء القضايا العربية والإقليمية، فإنالمطلوب بعد هذه الخطوة الهامة هو دعم العراق الجديد في توجهه السياسي والدبلوماسي، المتمثل في إبعاد نفسه عنصراعات المحاور في المنطقة، وفي استعادة دوره الإقليمي.

ولا شك فإن أي دعم مغربي من هذا القبيل سيساعد كثيرا في تأمين حضور وازن للمقاولات المغربية في أوراش التعميرالمفتوحة في ربوع العراق، وهي مقاولات كانت موضع ترحيب في الماضي.

كما أن من شأن التواجد الدبلوماسي المقيم أنيسهل استئناف عملية الحوار الإسلامي-الإسلامي، والأنشطة الأكاديمية الموازية له من أجل التقريب بين المذاهب الإسلامية، وجسر هوة الخلاف الفقهي فيما بينها، وهي العملية التي كان للمغرب دور رائد فيها، والتي يمكن أن تدفعاليوم في اتجاه إحداث جسر تواصل مع جهات أخرى مشوشة، ولكنها مؤثرة في تلك المنطقة ربما حان وقت أن يتجاور المغرب القطيعة معها.    

عبد القادر زاوي

دبلوماسي متقاعد، سفير المغرب السابق في عدد من الدول العربية، مؤلف وكاتب عمود على مجلة المجلة